واضح تماماً أن الكيان الصهيوني لا يزال مسترسلاً في استغلال الوضع العربي الراهن إلى أقصى حدٍ ممكن، مدركاً أنها الفرصة المواتية له ليتمكن من إثبات وحشيته أولاً، واستكمال خريطة طريق الاغتصاب إلى النهاية. ولا شك أن هذا الكيان اللعين بات يعرف جيداً أن الأمة العربية تمر الآن بأخطر مرحلة في تاريخها وأن ذلك قد يدفع العقلاء من أبنائها إلى المناداة بالقيام بمراجعة سريعة وعاجلة لوضع حدٍ لهذا الخطر الذي اقترب بالأمة من الحافة، وكأنه لا وقت للكيان لانتظار المفاجأة التي قد تغير بين لحظة وأخرى موازين القوى، وتعمل على تصحيح الخلل الناتج عن تمادي بعض الأنظمة العربية في اجترار الخلافات وتناسي ما تقود إليه من فوضى وحروب داخلية هنا وهناك، والتي لن تؤدي في نهاية المطاف سوى إلى مزيدٍ من الضعف واستئساد العدو المتربص والبادئ دائماً بالتحدي والعدوان .
ويمكن القول من خلال ما يتخذه هذا العدو المستأسد من خطوات إن جهوده الحربية تتركز أولاً على الاستمرار في قضم ما تبقى من الأرض من أيدي أبنائها، مع الاستمرار في استخدام القوة المفرطة التي تصل أحياناً إلى إعلان الحرب، كما حصل ويحصل في غزة، وإلى قتل المناضلين واعتقالهم كما حدث ويحدث في الضفة، ولم يكن اغتيال الوزير زياد أبو عين المعروف بصلابته ومواقفه النضالية إلا التعبير عن هذا التوجه المدروس والممنهج، ويحمل الحادث الإجرامي المريع رسالة واضحة إلى ما يسمى بالحكومة الفلسطينية التي لا حول لها ولا طول بأن أفرادها صاروا عرضة للاغتيال شأنهم شأن بقية أهلهم من المواطنين العاديين. فالاحتلال لا يفرق بين فلسطيني وآخر ولا حصانة لديه لأحد مهما كان منصبه أو مكانته، وتكفي النهاية التراجيدية الجارحة للرئيس الشهيد ياسر عرفات.
وفي هذا الصدد لا يخالجني شك في أن القضية الفلسطينية لا تزال حية ومستثارة في قلب كل عربي صادق في ولائه لأمته مهما كان نوع الظروف التي تحيط به، وأنه كان ولا يزال يتخذ من المقاومة الفلسطينية نموذجه وقدوته، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً في أذهان جلادي الكيان الصهيوني وقتلته الذين يعتقدون خطأ أن الساحة الفلسطينية قد خلت لهم ليعبثوا فيها كما يشاءون، وعليهم أن يدركوا أن الظروف الاستثنائية التي تتحكم في الراهن العربي لن تدوم وستخرج الأمة منها على درجة من القوة والتضامن الصادق، وحينئذٍ تستطيع أن تفتح الملف الأسود لهذا الكيان الإرهابي المتوحش وستجد دعماً عالمياً غير محدود ، فالعالم مع الأقوياء لا سيما حين يكون الحق معهم، وأي حق أوضح وأصرح من حق شعب سرق الأعداء أرضه وحريته واستقلاله واتجهوا إلى إبادة أبنائه.
وما يؤسف له الآن ومنذ وقت غير قصير، أن الإعلام بما في ذلك الإعلام العربي بدأ يخفف أو بالأحرى متابعته ما يحدث في الأرض المحتلة ويختزل الحديث عن قضاياها الساخنة بكلمات أو سطور لا تعطي للقارئ أو المستمع أو المشاهد في العالم وفي الوطن العربي صورة ما يحدث بمجمل تفاصيلها. وهذا ما أرى أنه قد حدث في تغطية اغتيال الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، فقد تصدر حيز الاغتيال المكان الأول في النشرات الإخبارية في اليوم الأول ثم تراجع شيئاً فشيئاً حتى توارى تماماً، مع أنه كان ينبغي أن يحتل الصدارة وأن يحظى بمتابعة واسعة وتحليلات تفصيلية شاملة لكشف أبعاد الجريمة وإظهار ما يتمتع به الكيان الصهيوني من وحشية وتحد سافر لحرية التعبير والتظاهر وعدم وجود الحد الأدنى من الاحترام لحق الحياة من خلال استمرار التقتيل، الذي صار مهمة يومية لجنود الكيان وأجهزته الاستخبارية المختلفة.
*الخليج الإماراتية
د/عبد العزيز المقالح
عن استشهاد زياد أبو عين 1344