لاشك أن أوضاع اليمن باتت أكثر تعقيداً وتشابكاً ممَّا توقع المتشائمون.. فاليمن يتلاشى اليوم تحت جحيم الانهيارات السياسية والاقتصادية والأمنية إلى درجة صار فيها أقرب إلى التفكك إلى دويلات وسلطنات ومشيخات ومحميات بعد أن عجز العرب عن حل أزمة هذا البلد بسبب اختلاف توجهاتهم ونواياهم التي لم تتفق ربما على الحل الأمثل والسلمي الذي من شأنه الحفاظ على مقدَّرات اليمن ووحدته واستقراره وحمايته أيضاً من تلك الأصابع الخبيثة التي تعمل بإحكام شديد على تنفيد "أجندات" كبيرة ستكون ضحيتها هذه المرة الدولة التي تُعد أحد أصول العرب.. والمؤسف أن يجري كل ذلك تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يقع على كاهله قسط وافر من مسؤولية تعقيد الأزمة التي أصبحت تهدد بانهيار اليمن وسقوطه كلياً في مستنقع الفوضى والتمزُّق والفشل والضياع.
نحن لا نلقي بالتبعات جُزافاً وإنما نستند إلى سجل المواقف التي اتخذها مجلس الأمن الدولي بناءً على تقارير المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر وهي مواقف لم تساعد على معالجة الأزمة وإنما عملت على توسيع دائرتها.. فقد انشغل مجلس الأمن بالعقوبات مع أنها لا ترقى إلى الانصراف كلية نحوها كأسبقية بل إن الأسبقية كان ينبغي أن تكون لإنهاء الأزمة واحتواء الصراع بين الفُرَقاء وتشجيعهم على الإسراع في تنفيد مهام المرحلة الانتقالية وفقاً لمحددات المبادرة الخليجية وصولاً إلى إخراج البلاد من الواقع المضطرب إلى فضاءات الاستقرار والأمن، وغير ذلك فقد عمِد مجلس الأمن إلى أخذ البلاد رهينة له مبدداً شهوراً طويلة في توصيف ماجرى ويجري في اليمن مما فاقم من الأزمة وزاد من تعقيدها وأوصد الأبواب تماماً أمام الحلول السلمية لتتحول المرحلة الانتقالية بفضل مقترحات المبعوث الأممي إلى ملهاة مفتوحة لصراعات الفرقاء المكرهين قهراً على الشراكة.
وهنا نستعير ممَّا حذَّر منه بعض السياسيين حيال ما يتصل بفشل المجتمع الدولي في حل الأزمة اليمنية, حيث حذَّر هؤلاء من مغبَّة التدخل الخارجي السلبي والذي قد يؤدي إلى مزيج من الانقسام بين اليمنيين إن لم يُفض ذلك التدخل إلى تقسيم هذا البلد جغرافياً ولاسيما وألَّا أحد يمتلك ضمانات كافية للتحكُّم في التدخلات العالمية التي تفرض نفسها وتؤثر على تحولات جيوسياسية تحت مبررات مختلفة وبالتالي, فإذا وجدت تلك القوى أن تقسيم اليمن إلى عدة "كنتونات" ومناطق نفوذ جديدة أسهل لها على السيطرة فإنها التي لن تتردد عن دعم هذا الخيار والذي لن ينتج عنه بالضرورة الاستقرار ونهاية الاحتراب في اليمن.
المُحزِن أن الحديث عن تقسيم اليمن ليس جديداً وهو ما قد يصح أن نحذر منه خاصة إذا ما علمنا أن المتدخلين المفترضين لهم نوايا ومصالح معروفة وأنه ليس من بينها الحرص من أي نوع على استبقاء وحدة اليمن ومساعدة اليمنيين على بناء دولة مدنية وعصرية موحدة، بل إن المصالح إياها تجري على العكس من ذلك وهو ما يضع أبناء هذا البلد أمام حقيقة عليهم ألَّا يتجاهلوها أو يقفزوا فوقها؛ لأنهم بذلك إنما سيقفزون إلى المجهول والذي لن يكون (التفرُّق بإحسان) أسوأ سيناريوهاته.
إذا كان اليمنيون بقياداتهم ونُخَبهم وأحزابهم ومكوناتهم القبلية والاجتماعية يخشون على بلادهم من ذلك المصير الكارثي فلهذا الموقف استحقاقات والتزامات وميدان اختباره الفعلي هو الممارسة والأفعال لا الشعارات والخُطَب البلاغية.. فهم وحدهم من بوسعهم إنقاذ بلادهم من عوامل التمزق والتفتت ووضعها على سكة الأمن والاستقرار على الرغم من خطورة المنزلقات وما وقعوا فيه من خطايا حتى الآن.
ـــــــــــــــــــــــ
*"الرياض" السعودية.
علي ناجي الرعوي
اليمن.. والمجتمع الدولي! 1783