كرّم الله الإنسان بمفهومه العام وبكيانه الشامل الذي لا حصر فيه لأحد, هو حينها لم يحدد أي نوع من الإنسان ذاك الذي ميزه بتكريمه لم يلتفت إلى نوع جنسه أو لونه أو سنه أو حتى لون قلبه وما يحتويه من إيمان أو كفر, لم يهتم لكل ذلك ولم يلمح لكون ذاك الإنسان مسلما به مؤمنا بربوبيته أو كافرا بدساتيره وشريعته أو حتى جاحدا وناكرا بوجوده, كل ذلك لم يكن ضمن معاييره وهو يكرم ذاك البشري الهزيل الضعيف.

لقد جعل الله ذاك التكريم بمفهومه الواسع الفضفاض الذي يندرج ضمنه كل أنواع البشر وألوانهم, هو حينها كان يقصد الإنسان بكل تصنيفاته وتقسيماته السماوية وحتى تلك التي اختلقناها نحن لنفرق بين بعضنا البعض بل بالأحرى لنضع لأنفسنا ميزات سلبناها في نفس اللحظة من أناس آخرين.

كثيرة هي التسميات وكثيرة هي التقسيمات الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان بين أبيض وأسود وغني وفقير وسيد وعبد, أنزلناها نحن وبينها تمايلت أطماعنا وتعاظمت عنصريتنا حتى وصلنا إلى مرحلة أصبحنا فيها نصنف كل إنسان حسب معاييرنا الشكلية والبينية وبقوانين الفوارق الجسدية والخلقية والنسلية.

المرأة ونظرتنا لها مثال صارخ لتجاوزاتنا وهمجية تفكيرنا, كثير منا من سمح لنفسيته أن تستدعي الجانب الذئبي منها لتتعامل مع المرأة.. ينظر لها بغريزته لا بعقله وعواطفه المنطقية يعاملها على أنها تلك المخلوق التي خلقه الله لخدمته وقضاء حاجاته, يتعامل معها على أنها سلعة رخيصة تباع وتشترى تقاد وتؤتمر ولا رأي لها فالله قد خلقها أنثى..!

الله خلقها أنثى وهو حين خلقها لم يعزلها من تكريم الإنسان ولم يميز الرجل بالتكريم دونها بل كانت هي ركيزة التكريم فبدونها ما وجد الرجل وما كان له ليعيش.. تلك المخلوق (المبتذل) هي نصف المجتمع ونصفه الآخر, هي من تتحكم بتنشئته وهي معلمته الأولى وبهذا تكون هي بالمعنى الحقيقي كل المجتمع لا نصفه ولا ربعه ولا سدسه.

نحن نعيش ضمن مجتمع إسلامي جعل للمرأة مكانتها كما هي للرجل فحري بنا أن نتعامل معها، سيظل مخلوقا مشوها مبتذلا مجتزئا إن ظل الرجل بعنفوانه وسلطويته وغباءه وشيطانيته ينهر نصفه الآخر ويطلق العنان لكل جوارحه بالنهش في نصف جسده حتى يردي نفسه قتيلا مضرجا بدماء هو سافكها ومسفوكها!.