جمهور كبير من اليمنين، متراكمين كحبات البطاط في شوالة مرمية على بودي "ظهر" هايلوكس، أو بالأصح شاص ..!!
جميع هؤلاء – قرابة 120 شخصاً– في حضرة صالة الوصول بمطار صنعاء
الدولي، قبل أيام جاءت بهم "اليمنية" بعد مكثهم فترة شهر أو شهرين في
سجون السعودية، حد قول احدهم. هؤلاء تم ارجاعهم الى اليمن؛ كونهم لا
يحملون تأشيرة عمل، فنفلت بهم اليمنية نفلا في مساء يوم كئيب، ووسط برد
قارس، يقاومونه بغاز النشادر المنبعث منهم دافئًا، مدفئاً بنكهات شتى.. فما ان تلج الى الصالة الا وروائح " المدفئة " والكور "العرق "
جميعها تفوح لاستقبالك..!!
تخطو خطواتك الأولى، فتقع عيناك على مناظر تبعث الاسى والحزن، مناظر تجعلك تردد اللعنات على اسياد هذا البلد – سابقا ولاحقا – سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبالتأكيد ثقافيا.
ترى ذلك الفتى – 17 عاما – في زاوية الصالة يصارع النوم، غفوة بغفوة، تراه وتحدث نفسك بحسرة وألم، بأن لقمة العيش – له ولمن يعول بلا شك–؛ هي من أجبرته للبحث عنها خارج وطنه، ثم ليعود بخفي حنين، لا لقمة عيش، ولا غمضة عين.!!!
منظر أخر، ترى فيه ذلك الكهل – قرابة 50عامًا - ، وتجاعيد المعاناة
فيوجهه فاقعة اللون، تراه يقف متكأ على عمود الصالة مشتت الذهن، يترقب ضابط الجوازات ماذا سيقول له ولزملائه بعد أن ضجهم بالقول: قيام، جلوس... ورتلُ من عبارات الاهانة والاحتقار.. يا ويل وطني، ترى تصرفات
ضابط الجوازات، كمدير مدرسة يعاقب طلبة متأخرين عن الحصص، بتنظيف ساحة المدرسة من القراطيس المبعثرة فيها، ثم ينتقي من يشاء بقوله: انت ادخل
الفصل شكلك محترم، ويخاطب آخر: أنت شكلك "طرطور"، كمل "لقط "، وعادك
روح كمان نظف الحمامات..!!
ترى ذلك المنظر، وتردد اللعنات تلو اللعنات، ثم تهمهم متسائلا: ما الذي دفع هؤلاء للسفر إلى الخارج، وما الذي جعلهم يتعرضون للإهانة في وطنهم قبل وطن الآخرين؟! ولا تأتي سوى اللعنات، إجابة شافية كافية.
تمضي وتردد اللعنات تلو اللعنات، تردد ذلك بغضب، وحرقة تكاد تبكيني، حتى تصل إلى ضابط الأمن القومي، فتبتسم – ضرورةً - وتمد جوازك، وتعلو بصوتك "بلدة طيبة ورب غفور"..!
تعبر، وتذهب لانتظار حقيبتك، وفي مخيلتك تلك المناظر وفمك يُسبح باللعنات، حتى تخرج من بوابة المطار، وتجدك تحدث وطنك قائلا : يا وطني.. نسافر لنحزن، ونعود لنحزن..!! حسبي الله ونعم الوكيل...
بسام غبر
لا لقمة عيش ولا غمضة عين..! 1095