يردد الحوثيون وأنصارهم بأنهم جندوا أنفسهم في مهمة وطنية لإنقاذ اليمن، وإن كل ما يقومون به منذ اقتحامهم العسكري لصنعاء في أواخر سبتمبر المنصرم لا يخرج عن تلك المهمة، ونحن هنا لسنا بصدد التشكيك بالنوايا والغايات التي تظل في علم الغيب (للحوثيين ولغيرهم) لكننا سنناقش الوسائل التي سلكتها جماعة الحوثي لتحقيق ما تدعيه فهي واضحة لنا ولغيرنا.
فالملاحظ أن الحوثيين قد نهبوا معسكرات الدولة (ما نهبوه من الأسلحة يساوي ما أبقوه للدولة حسب تصريح مستشار هادي لصحيفة البيان الإماراتية)، وكذلك نشروا مسلحيهم في ربوع المحافظات الشمالية، وأقاموا النقاط المسلحة التي ترفع شعارهم من دون العلم اليمني وصور زعيمهم من دون صور الرئيس اليمني، حتى يخيل لك بأن النقاط تتبع دولة أخرى غير الدولة اليمنية.
وتجدهم بعد ذلك وقد نشروا لجانهم الشعبية والثورية في مختلف مؤسسات الدولة ومحافظاتها، وصارت هذه اللجان تتدخل في كل شاردة وواردة حتى طريق لبس الناس وتحدد النهج السليم للأخلاق كما يحدث في جامعة صنعاء على سبيل المثال (بالمناسبة هذه اللجان تؤدي عملها بموجب توجيهات شفوية وخطية من رئيس الجامعة إلى المسؤولين المعنيين بتمكين اللجان من مهامها.. من غير أن ندري ما هي تلك المهام؟ وفي أي دستور أو قانون وردت؟).
ورغم تصريح الناطق الرسمي للحوثيين لصحيفة السياسة الكويتية بأن تلك اللجان تؤدي مهامها بشكل تطوعي، لكن ما حدث في الحديدة وطلبهم من المحافظ - بعد الاقتحام المسلح لمكتبه - تخصيص مرتبات وبدل تغذية لتلك اللجان ينفي ذلك ويكذبه، وذلك ما يحدث في معظم مؤسسات الدولة, حيث تعطى لهم مستحقات بصورة إجبارية تحت وقع التهديد بإغلاق تلك المؤسسات.. محافظ الحديدة أعلن استقالته احتجاجاً على تلك التجاوزات وستكون فضيحة بجلاجل للرئاسة والحكومة إن قبلت تلك الاستقالة بدلاً من توفير الحماية له تجاه تجاوزات تلك المليشيات!
والغريب أن جماعة الحوثي قد نصبت من بين صفوفها لأمانة العاصمة والعديد من المحافظات وكلاء للشؤون الأمنية، وتم ذلك بطريقة غير معلنة، والمفاجأة أن مدراء الأمن صاروا يتلقون توجيهاتهم من أولئك الوكلاء؛ كما حدث في الخطاب الذي وجهه مدير أمن العاصمة لشركة مرسدس بخصوص سيارات بيت الأحمر، حيث ذكر بأن رسالته تمت بناء على توجيهات وكيل الأمانة للشؤون الأمنية، وهو وكيل لا ندري من هو ولا متى تم تعينه ومن قبل من؟
أما قصة مصادرات الأموال الخاصة بدعوى مكافحة الفساد فهي قصة أخرى، حيث نصب الحوثيون أنفسهم بديلاً للقضاء، وتكمن الخطورة أنهم اعتبروا أنفسهم الوارث الشرعي لتلك الأموال المصادرة.. بل وبدأوا بتصفية حسابات مع رجال الحركة الوطنية الذين تولوا مهمة النضال ضد الحكم الإمامي كما حدث من طرد لأسرة الشهيد الزبير من منزلهم، وتلك حادثة إن صحت تمثل كارثة بكل المقاييس.
أما أم المصائب فتتمثل باسترخاص مليشيات الحوثي ولجانه لحياة الآخرين، مثل الشاب الذي قتلوه في إب لمجرد أنه رفض الاحتكام إليهم بعد أن شكاه لهم عمه والد زوجته، ثم الشاب العمراني اليافع الذي أردوه قتيلاً بدم بارد لأنه عكر مزاجهم بدخان سيارته! ومن قبلهما الصيدلي الذي قتل في شارع الزبيري لمجرد أن لحيته لم تعجبهم، فقرروا إنهاء حياته كصيدلي، ربما لأنهم قرأوا الكلمة مفصولة فاعتبروه (صيد – لي) فذهبوا لاصطياده حسب كاريكاتير طريف تم نشره مؤخراً.
بالمختصر المفيد، الحوثيون يريدون أن يقدموا أنفسهم دولة بديلة للدولة اليمنية وليس جزء منها، ويعتبرون هيئاتهم بديلا لمؤسسات الدولة تعمل من خارجها وتأتمر بأمرهم، لذلك فهم يبررون حربهم الدامية في البيضاء بمحاربة القاعدة، وحربهم المنتظرة في مأرب بتأمين الخدمات، من غير أن يخبرونا من الذي كلفهم بتلك المهام التي هي من صميم مهام الدولة وحكومتها! ثم تأتي لجانهم الثورية لتحدد سياسات الوزارات والمحافظات والمؤسسات، وتريد أن تكون كل الصرفيات والقرارات بأمرها هي، وإن وافق مسؤولو تلك الجهات على ذلك وإلا فنهب الختومات مهمة سهلة لتحقيقه.
ثم يخرجون ليصرحوا لنا بعد كل ذلك بأنهم ليسوا شركاء في الحكومة ولا يتحملون تبعات سياساتها! ويعلنون أنهم إنما يتولون مهمة إنقاذ الدولة ووقف عملية انهيارها، ثم يريدون منا أن نصدق كل ذلك ونكذب ما نشاهده ونلمسه، على طريقة المثل القائل "تصدق عيونك على أم جهالك" وإن تجرأ صحفي أو وسيلة إعلامية على نقدهم طاردوه وهددوه وتوعدوه.
ياساداتي إن كان ذلك هو مشروعكم الانقاذي لليمن فعند الله وعندكم أوقفوه وخلوها تنزل (فراطش)، خصوصاً بعد أن ثبت تأثير ذلك سلباً على الوضع الاقتصادي للدولة حسب تصريحات نائب وزير المالية، ويكفي مثالاً على ذلك ما صرح به رئيس الوزراء من انخفاض عدد السفن التي صارت ترسوا في ميناء الحديدة بعد سيطرتكم عليه بمعدل النصف.
إلى جانب تهديد الدول المانحة بإيقاف كل مساعداتها لليمن مالم توقفوا تدخلكم غير الرسمي في شؤون الدولة اليمنية، بما يعنيه ذلك من توقف لحركة التنمية، وعجز الدولة بعد فترة حتى من تسليم مرتبات موظفيها. وقبل ذلك ومعه توقف حركة السياحة والاستثمار، لأنه لا يوجد مستثمر مجنون سيرسل أمواله لبلد تتحكم في مصيره مليشيا مسلحة؛ حتى لو كان إيراني! خصوصاً بعد أن هددت شركات الطيران العالمية بإيقاف رحلاتها إلى المطارات اليمنية مادامت تقع تحت سيطرتكم.
ونعرف جميعاً وتعرفون من قبلنا بأن الحل لكل ذلك إنما يتمثل بعملكم الرسمي وبصورة شرعية من خلال مؤسسات الدولة، بحيث تتكامل جهودكم مع جهود الآخرين لإصلاح فسادها واختلالاتها، وليس تقديم أنفسكم بديلاً عنها والادعاء بأنكم طرف منزه عن الفساد الذي تنسبونه لخصومكم، والتصرف بدلاً عن ذلك باعتباركم طرف سياسي من الأطراف ينطبق عليه ما ينطبق على غيره، ولستم وصي حاكم بأمر الله لا تنطبق عليه القوانين والأنظمة.
ذلك هو طريق الإنقاذ الحقيقي الذي سيحمدكم عليه الشعب اليمني، وهو ما بات يصرخ به كل الناس الشرفاء الذين يعيشون على تراب هذه الأرض بكل ألوان طيفهم، بما فيهم المنصفون من أعضاء حركتكم، أما إن صميتم آذانكم وأغلقتم عيونكم عن سماع ومشاهدة كل تلك الحقائق فالتاريخ ومن قبله الشعب سيكون لكم بالمرصاد وسيحملكم المآلات المدمرة التي سينتهي إليها الوطن.
ولا تنخدعوا بالقوة التي صرتم تملكونها وتعتقدون أنها قادرة على حمايتكم من غضبة الشعب، وكما قال المفكر عبد الباري طاهر: على الحوثي أن يفهم بأن الدبابة التي لديه كانت لدى على محسن ومن قبله لدى صالح وكانوا أقدر منه على استخدامها، وكما يقول المثل "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك" وما باقي إلا وجه الله.. وحدووووه.
د. عبدالله أبو الغيث
الحوثيون والطريق الحقيقي لإنقاذ اليمن!! 1425