إنها الفاتنة بسحرها السامقة بشموخها، برونق طبيعتها تأسر الألباب لأنها لب الأصالة والمعاصرة ، حضارتها مشكاة تضرب بجذورها أعماق التاريخ ومن لا يعرف عاصمة اليمن السياحية محافظة إب، محافظة المحبة والسلام أسمها يتكون من حرفين الف وباء وهما البداية للتحضر والمدَنِية والرقي والنهاية لكل شر وبلاء.
إب .. اسم لمدينة حميرية سلمية أبية، مشتق من الإباء، تعددت الروايات حول هذه التسمية و تسميتها باسمها الحالي مدينة إب وأقرب تلك الروايات هي التي تقول بأن مدينة إب سميت بهذا الاسم نسبة إلى شهر «آب» الذي تسقط فيه الأمطار بكثرة وتخضر الأرض وتنشط الزراعة.
وكانت تسمى قديماً مدينة «الثجة» بفتح الثاء وتشديد الجيم بينما ضبطها ياقوت بالضم ؛ وهي مدينة أثرية في سفح جبل التعكر من الناحية الشرقية. ويرجع هذا الاسم إلى الرواية القائلة أن الثجة هو اسم لامرأة ثرية سكنت قديماً في هذه المدينة الخضراء وبنت داراً ضخماً سمي بدار الثجة ومن هذا الدار جاءت تسمية مدينة الثجة بهذا الاسم..
على كل حال ما ألمني في هذه المحافظة المسالمة أنني ذات يوم جلست أشرح لأحد الأخوة عن جمالها وسحرها وأبهة طبيعتها وانهمار الأمطار عليها فقال لي يا أخي هذا كله صنع الطبيعة ماذا صنعتم أنتم لإب .
وبالفعل فمحافظة إب منسية حتى من أبسط الخدمات الأساسية والضرورية التي تناسب جمال طبيعتها ولم يكد أبنائها أن يتناسوا الجراح التي خلفتها الجبهة الوطنية في الثمانينات والتي لاتزال الألغام ببعض مناطقها الى اليوم حتى جاءها اليوم من يريد أن يجر الصراع والنار اليها ليحرق ما تبقى فيها من معالم للمحبة والسلام وكأنه يريد تأديبها لما قدم أبنائها من بطولات وتضحيات للإطاحة بحكم بيت حميد الدين حيث احتلت المحافظة المركز الأول بين المحافظات بتقديم فلذات أكبادها بحثاً عن الحرية والعدالة.
محافظة إب تستيقظ كل يوم وقد غسلت وجهها وأزالت منه ما علق به من أتربة الحياة وكدحها، تفتح نافذة الأمل والتفاؤل، تستمع لزقزقة العصافير، ترجل شعرها كفاتنة وتغنى بصوت رخيم يكاد يحجبه صوت خرير الماء، ترتدي ثوبها السندسي الأخضر لتغطي به تجاعيد الزمان، يمتزج جمالها بأشعة الشمس الذهبية ليرسم أحلى لوحة للمحبة والتعايش والجمال.
محافظة إب مصرة على أن تبدوا جميلة بما وهبها الله من طبيعة خلابة لتستر بزينتها قبح من تولوا أمرها سيما من أبنائها ولم يضيفوا لها شيئا مع كثرة حاجاتها. محافظة إب من أكثر المحافظات التى طالها العبث ولم توفق بمسؤولين أوفياء ينظروا نظرة بناء وتطوير الى شوارعها ومدارسها ومشافيها وحدائقها ومنتزهاتها فهم لا يجيدون سوى النهب والسرق .
محافظة إب بكل ما تحويه من معانى الأبهة والجمال فهي اليوم تستيقظ على أصوات المدافع وأزيز الرصاص، شوارعها الخضراء صارة مضمخة بالدماء، تحتبس الدموع في عينيها وهي ترى أزقتها قد امتلأت بأناس كأنما بعثوا من قبورهم أشكالهم مسكونة بالرعب، تفيض الرعونة من أجسادهم، أفعالهم مزيج من الحمق والغباء، وما يثير حفيظة إب الجميلة ويزيدها حسرة هو أنها احتضنت أناسا قد تكالبت السنون في أجوافهم وأضر بهم الجوع والفقر والفاقة حتى أصابهم البلاء بمقتل فاكلوا من خيراتها، واستظلوا ببركتها واقتطعوا من جلبابها لباسا ليسترهم حتى صاروا كالكلاب المسمنة فجعلوا ينهشون من جسدها المثحن بالجراح، ولما عجزوا مدوا جسور التواصل لمثل هذه الكائنات المسلحة المتمثلة بصور البشر..
كلما رأيت في إب مجاميع للمسلحين او أناس يمشون في شوارعها يحملون على عواتقهم السلاح وكأنهم يحملون لأبنائها السم الزعاف ويوزعون لهم شهادات الوفاة وهم أحياء أتذكر دائماً قول الشاعر.
ألا يا عباد الله قلبي متيّمٌ ... بأحسن من صلّى وأقبحهم بعلا
يدبّ على أحشائها كلّ ليلةٍ ... دبيب القرنبى بات يقرو نقاً سهلا
القرنبى: دويبةٌ على هيئة الخنفس متقّطعة الظّهر، وربما كان في ظهرها نقطة حمراء، وفي قوائمها طول الخنفس، وهي ضعيفة المشي قبيحة المنظر.
لكن مهما حدث ستظل إب محافظة الأبهة والجمال وسننتظر بتفاؤل متى ينبثق فجر الولد البار الذي يسعى لخدمتها بما تستحقه هذا المحافظة .
ومع علمي أني لا أستطيع أن أوفيها بحقها إلا أنني قلت فيها هذه الأبياتو معرباً فيها عن مدى حبنا لها ولسائر أرجاء اليمن شرقه وغربه شماله و جنوبه.
من غيرها بالحسن صارت تشهدُ .... ولكل الحان الربيع ترددُ
يا إب يا حسناء ان طال الجفا .... فلقد شممت هواك وهو يُصَّعدُ
فا صابني فرح ونشوة عاشق .... عشق الثرى فغدا بحبك ينشدُ
وعلى مدى التاريخ أنت عصيةٌ... في وجه من يبغي ومن يتمددُ
قد كنت للثوار حصن مانع .... من كل شر حولهم يترصدُ
واليوم تهديهم لدحر عصابة .... ظلت بإفساد البلاد تهددُ
ماذا أحدث والجموع توافدت ... ولهم قلوب بالقدوم تؤيدُ
فسلامي أرسله لريفك والقرى .... بجناح طير بالوفاء يغردُ
بسام الشجاع
محافظة الجمال كيف أصبحت مكاناً للعنف؟ 1269