نحن نرحب بالأوهام لأنها تنقذنا من الكمد العاطفي وتمكننا بدلاً من ذلك أن ننغمس في المباهج, علينا إذن ألا نشكو إذا تعارضت بين حين وآخر مع جانب من الواقع وارتطمت به وتحطمت على صخرته!
هذا ما قاله فرويد..
لكن ماذا لو أضحى حتى مجرد الانغماس في المباهج أمنية محالة أبجديات عيش الشعوب المستضعفة؟!
وماذا لو صار واقع هذه الشعوب سلسلة جبال صخرية تلتف حول عيشهم كأفعوان ضخم يقتل حولهم كل ملمح للحياة الحقيقية؟!
كتب فرويد هذه النظرية في زمن الحرب ليفلسف وحشية الشعوب حينما تتردى لدركات الغريزة فتغدو كسباع ضارية تنهش لحم بعضها البعض, مع فارق أن الوحوش البرية تنتهك لحوم الضعفاء تبعا لسنة البقاء أما البشر فهم كثيرا ما يفعلون ذلك لإشباع بهيميتهم التي كبلتها قيم الحضارة لدهر!!
هاهو التاريخ يكرر فصول التردي من جديد في رواية البشرية, وهاهي ذا متعة القتل والتذئب والسبعية الكامنة في النفوس تجاهر بسطوتها وتسلطها على وجه الواقع دونما رقابة من قانون أو دولة أو نظام؛ فالضمير العالمي منوم بفعل فاعل, ورؤوس شريرة بوهيمية تقود الإنسانية نحو عالم الغاب الوحشي لتنزع عنها إهابات الحضارة الزائفة وتسلخها من مناط تكليفها وتشريفها وهو السعي نحو الترقي البشري المفروض على ابن آدم لينال الفضائل ويقترب من ربه فيمنحه رضاه ومحبته..!
صرح فرويد حينها بنظريته مخاطبا النخب المفجوعة ببغي العوام وغوغائيتهم قائلا بأن هذه الوحشية التي تظهر في زمن الحروب ليست فاجعة مفاجئة لأنها تمثل جانبا من حقيقة الإنسان, وهي ليست أمرا مخيبا للآمال في ترقي البشر لأن البشر لم يترقوا أصلا للمستوى الذي يظنونه!
هذا هو الإنسان المنافق في كل مكان وزمان, يلتزم مظاهر الرقي ويظهر الكياسة واللطف عندما تلبسه قيم مجتمعه طوقا من النظام يخالف سوء سريرته, أو هو يلعب هذا الدور مرغما لصيانة مصالحه, تكشفه أزمنة العنف والحروب فتراه أسرع الناس نزعا لهذا اللباس الخانق لروحه الشريرة وأكثر تهافتا ووقوعا في محرقة البغي والعدوان, أما ذلك الإنسان الذي يتمتع بخيرية أصيلة تغلف أعماقه فلا يرضى لنفسه هذا التردي ولن يقبل بالعمل عودا يابسا في محرقة الأبالسة فيغدو مسخا متعربدا يحرق الحياة ويقتل النفس المحرمة بدم بارد وقلب ميت!
نبيلة الوليدي
التحرر من الوهم..!! 1270