نظراً للوضع المتأزم التي مرت به البلاد والتي تستدعي من الجميع استشعار المسؤولية والوقوف والمؤازرة والتأييد للحكومة الجديدة التي ما إن رأت النور حتي تنفس اليمنيون الصعداء واستبشروا خيراً لعلها توفر لهم ابسط مقومات الحياه بعد أن دبّ اليأس في نفوسهم طيلة عقود من عمر الثورة وانشغال المتصارعين على السلطة في بناء سلطة الحاكم لا سلطات الدولة, الأمر الذي أدى لغياب أي دور للدولة طيلة العقود الماضية فلم يفكر أي من الذين تعاقبوا على حكم اليمن في بناء دوله منذ قيام الثورة اذا ما استثنينا فترة الرئيس الشهيد الحمدي الذي حاول أن ينقل منظومة الحكم من مشروع بناء السلطة إلى مشروع بناء الدولة ومع ذلك ارتبط ذلك تاريخياً بشخصه حتي وان حاول إرساء مؤسسات الدولة لتكون صالحة لكل زمان ومكان مثلنا مثل غيرنا من الدول ولقصر فترته فقد صنع للوطن وللأجيال ما عجز عنه أسلافه وخلفاؤه من بعده ولم يسعفه غدر الزمان لكي يستكمل مشروعه الوطني الكبير عبر إيجاد اهم الهيئات الوطنية المستقلة التي تمثل قوام العملية التأسيسية لبناء الدولة وصمام امأن لإقامتها واستمراريتها لقرون طويله وهذا لن يتأتى إلا إذا قامت هذه الحكومة بسرعة إنشاء وتشكيل أهم هيئتين مستقلتين على الإطلاق وبدونهما لن تقوم لنا قائمة.
الهيئة الأولى: هي هيئة قضايا الدولة وقد سبق لي أفردت مقالاً سابقاً بعنوان (إنشاء هيئة قضايا الدولة ضرورة ملحة) واشرة إلى أن هذه الهيئة تمثل الدولة في الدعاوي المدنية وصداً منيعاً للمال العام وليست بديله عن هيئة مكافحة الفساد أو نيابة الأموال العامة, فهي المناط بها تقديم الدعاوي المدنية وما أحوجنا إليها هذه الأيام, فكل مؤسسات الدولة تشكي كل منها الآخر وتشكوان الآخرين؛ فالكهرباء تقول بان مديونيتها يفوق المائة مليار وكذا الاتصالات تقول بان مديونتها لدى الغير بلغت اكثر من مائة مليار وغيرهن من المؤسسات.
فلو وُجدت هذه الهيئة لقامت بدورها في حماية المال العام ليس في تلك المؤسسات وإنما قد يشمل دورها أن تكون هي الطرف الوحيد دون غيرها في تعقب ومتابعه أي صفقات استثماريه أو منازعات حدودية مجحف وأضرت بالمال دون أن يكون لها تأثير حتي من رئس الدولة.
أما الهيئة الثانية: وهي محور حديثنا فهي هيئة مجلس الدولة أو مجلس الدولة وهي هيئة قضائية مستقلة تعني بحل المنازعات الإدارية وتجاوزات السلطة التنفيذية وتعتبر القاضي العام في كل المنازعات الإدارية ولها سلطة في إلغاء القرارات الإدارية حتي وان كانت صادرة من رئيس الجمهورية وهذا المجلس موجود في غالبية الدول العربية منها (مصر، تونس، الجزائر، سوريا، السودان، سوريا ) وحتي الملكية منها مثل(عمان، الكويت، سلطنة عمان، الأردن، المغرب ) وله اختصاصات محددة وقد لا يختلف من دوله إلى دولة, ففي مصر مثلا يتكون مجلس الدولة من الأقسام التالية :
١-القسم القضائي والذي يتألف من أولاً: المحكمة الإدارية العليا والتي لا تختص بنظر المنازعات الإدارية المبتدئة كأصل عام وإنما تختص بالنظر بالفصل بالطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة من القضاء الإداري والمحاكم التأديبية.
ثانياً: محكمة القضاء الإداري
ثالثاً: المحاكم الإدارية فهي تشكل من مجموعه من القضاة والمستشارين ولها جمعية عمومية وأما في بلادنا فقد تم إنشاء محكمتين إداريتين في كل من صنعاء العاصمة وعدن وتتكونان من قاضي فرد يراس كل جلسة ولم يوجد في المحكمة الإدارية في أمانه العاصمة سوى قاضيين اثنين منذ نشأتها.
رابعاً: المحاكم التأديبية وهي من وجهة نظري أهم المحاكم على الإطلاق وهي نوعان:
الأولى: محاكم تأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا ومن يعادلهم
ثانياً: محاكم تأديبيه للعاملين من المستويات الأول والثاني والثالث ومن يعادلهم وتختص النيابة الإدارية في رفع الدعوي التأديبية ضد مرتكبي المخالفات المالية والإدارية أياً كانوا وفي بلادنا يوجد محكمه إدارية كما أسلفت لكن لا توجد نيابة إدارية, بل لا يوجد أيضاً قانون إداري.
خامساً: هيئة مفوضي مجلس الدولة ويختص في تقديم ورفع الدعاوي القضائية ويجب على أعضاء الهيه حضور كل جلسات المحاكم.
٢-قسم التشريع: فلا يمكن صدور أي قانون إلا بعد مراجعته من قبل مجلس الدولة وإبداء الرأي الدستوري والقانوني حوله فكم من قوانين صدرت بالمخالفة لأحكام الدستور وخير دليل الحكم الصادر من الدائرة الدستورية بعدم دستوريه أربعة وثلاثين مادة من قانون السلطة القضائية بعد اكثر من عشرين عاماً من العمل به فإذا كان هذا قانون القضاة, فكيف سيكون حال بقية القوانين التي كانت تصدر بناءً على رغبة مجموعة أو أشخاص؟!..
كما يتولى قسم التشريع اقتراح القوانين التي تصب في خدمة الصالح العام وأي تعارض مع هذا يمكن لمجلس الدولة إلغاءه أو تعديله.
كما يجيز قانون مجلس الدولة ندب هيئة مفوضي مجلس في كل المؤسسات والوزارات والمصالح الحكومية والهيئات وتتولى الهيئة المنتدبة في كل تلك الجهات القيام بإحالة أي من المسائل الآتية إلى مجلس الدولة:
١-كل التزام موضوعه أي من ثروات البلاد الطبيعية أو مصلحة من المصالح العامة
٢-صفقات التوريد والأشغال على وجه العموم (وما كثر صور الفساد في بلادنا بما يتعلق بهذا الشأن من مشاريع وهمية وصفقات وغيرها بالمليارات )
٣- الترخيص في تأسيس الشركات التي صدر بها قرار جمهوري.
وهناك الكثير من المهام والاختصاصات لمجلس الدولة لا يسعني سوى إعطاء نبذة عنه .
في الختام آمل أن يلقي هذا الموضوع الذي طرحته كفكرة ومدخل أمام الجهات المختصة ولجنة صياغة الدستور لإعطائه الأولويات لما سيكون له من اثر بالغ في بناء الدولة التي ينشدها الجميع عن طريق سرعة إنشاء وتشكيل مجلس الدولة يكون حجر الزوايا في بناء الدولة الواحدة والموحدة وخاصة اذا ما انتقلنا إلى الدولة الاتحادية, فوجود هذا المجلس بات ضرورة وملحة في الوضع الحالي وتأسيساً للمرحلة القادمة وبدون هذا فلن نستطيع بناء دولة قوية ومتماسكة ونكون كمن يحرث في البحر..
يونس الحكيم
مجلس الدولة أولاً!! 1307