في ظل راهنٍ وطني مثيرٍ لشهية الإحباط ؛ يأبى سواد هذا الشعب الماثل لنصَبَ الحياة وتعبها إلا أن يقف على قدمي أمل تمضيان به بعيداً عن كل هذه التضاريس المفخخة بالموت والموت فقط،، تشعبت به الأوجاع ولا سوى "مشعبين" أوغاد ماضون بلؤم للإجهاز عليه وتشييعه نحو مثوى الغياب الأخير، قوى الفجيعة -ومن غيرها- تحاصر حاضره اليوم بجحافل حضورها الآهلة بالسفه والقبح والطيش.
لم يسقط رغم تساقط الكثير من قلاع عيشه الآمن الكريم، مازال ينتفض قوياً من بين أنقاضها وخرائبها باحثاً في كل أروقة الموت عن حياة أخرى تليق به وعن وطنٍ طالما اشرأبت إليه أعناق الدهشة ولم تكلّ الحقيقة الوافدة من عمق التأريخ من أن تصفه باليمن السعيد.
لقد عوّل بالأمس على شارعٍ قال فما صدق.. وعد فما أوفى ، وها هو اليوم شعارٌ بائس يعدهُ الخلاص وهو المصفّد بأغلال ممارساتٍ شوهاء تتقدم بعربتها المتهالكة حلمه الجامح المنشود.
فمن يملك مشروعاً وطنياً ناجزاً يخلصه من كل هذا الضيم والظمأ الجارف للحياة؟, من يأخذ بيده لاستعادة حقه في الحياة بعد كل هذه العقود المضنية من العيش بأسىً خارج أسوارها الموحشة السحيقة؟, هل تمنّ عليه السماء بغوثٍ عاجل يقيه السقوط ومآلاته الكارثية المفزعة؟, هل تفعل ذلك وما على الأرض -هنا- يصعد في كثير منه إليها بالموبقات وما صنع اللئام؟.
قطيعة الأرض للسماء تقطع الآمال بحاضرٍ تحضر فيه الحدود الدنيا من العيش الكريم ؛ تحدّث التأريخ عن ذلك كثيراً، ومع ذلك ظلّت الأحقاد والضغائن والصغائر تقطع بحضورها الدميم كل إشارة يمكنُ لها أن تمرّ بنا نحو السماء بسلام.
في كل بلاد الله التي تحترم نفسها، تظلّ الدولة بسلطاتها المختلفة في خدمة الشعب لا العكس.. الشعب اليمني هنا وتحديداً طبقته الوسطى فما دون، هو من يتجشّم عناء خدمة هذه الدولة العالقة في شراك التعثر والخيبات منذ زمن بعيد.. هو من يدفع باستمرار فاتورة المشاريع اللئيمة التي يطلقها لصوص هذا الوطن وقراصنته وهو لا سواه - وكجزاء "سنماريٍ" وقح -من يتعرض لذلك الدهس اليومي الحقير من قبل المتاجرين بقضاياه ومشاكله وما أكثرها وأقدسها..
باسمه يفتتحون جلساتهم.. ندواتهم.. مؤتمراتهم ويتضح كل ذلك ليس سوى نزوات ومؤامرات تحاك ضده في كل حين وحين!.
وباسمه ينطلقون لحجز مقاعدهم الفارهة في صفوف هذا الوطن الأولى, بينما عليه أن يظل في المؤخرة كسلّمٍ بائسٍ يتنقلون عليه ، ونحو مآربهم الوضيعة يصعدون.
هؤلاء "السفلة" الذين يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، لا يتوارون عن حياتنا، لا يغيبون، لا يخجلون عن تعرّيهم المستمر وتفاهاتهم العابرة للمبادئ والقيم، فمن يقنعهم بأننا ندرك تماماً بأنهم هم أصل كل أوجاعنا وفصلها حتى وإن استمرأوا الزيف والخداع ، وبأنهم على ادّعاء قربهم منا؛ أبعد مِن أن يمثلوا حلم جائع في كسرة خبز تسدّ رمقه وتقيه شر المسألة والهوان، أو حلم عاطل على رصيف البطالة في عملٍ كريم يقيه ومن يعول شر التشرد والضياع؟.
ها هم اليوم يتبارون في إحراق المراحل لتسهيل مهمة الفوضى من بسط سيطرتها على ما تبقى في هذا الوطن من فتات الطمأنينة والاستقرار، قد يسددون في شباك هذا الواقع بعض أهدافهم "المتسللة" الخبيثة وقد ينعمون بفوز لبعض الوقت، لكنهم يخسرون ونحن جميعاً وطناً بحجم اليمن السعيد.
غيلان العماري
هذا الشعب و انتهازيته 1311