تشهد اليمن تطورا سياسيا غير مسبوق غير انه يتجه في المسار العكسي, اتجاه الصراع الايدلوجي الذي تجاوز المنطق وجعل من اليمن ساحة صراعات سياسية محلية وإقليمية ودولية أدت إلى تعثر كل الاتفاقات السابقة من أجل إحلال الأمن والاستقرار في البلاد وإنجاح التسوية المتمثلة في المبادرة الخليجية.
وأصبحت الوسيلة غاية حتى مع فشلها في تحقيق ما تصبو إليه الدول ويطمح لها أبناء الشعب خاصة فيما يتعلق بانعقاد مجلس الأمن الدولي وفرضه للعقوبات, مستثنياً البعض رغم وضوح ضلوعهم وتورطهم في زعزعة الأمن والاستقرار والذي انعكس سلبا على نجاح الاتفاقات الخاصة بالوصول إلى تحقيق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
ترى لماذا استثنى مجلس الأمن الدولي إدراج زعيم الحركة الحوثية "عبدالملك الحوثي", وقائد ما كان يسمى بقوات الحرس الجمهوري "السفير الحالي أحمد علي"؟
رغم أنه زعيم الحركة الحوثية ومن باسمه وتحت تصرفه وأوامره تخنع وتتحرك له المليشيات المسلحة, فضلا عن تصريحات الجريئة والواضح تمردها على قوانين الدولة. ربما بل وكان من المؤكد أن عبدالملك الحوثي كان أقرب وأحق أن يدرج ضمن عقوبات مجلس الأمن الدولي بدلا أو إلى جانب أخيه وأحد قادته.
كانت شبه صفقة أو ربما توجه أمريكي سياسي خاص وبحت لعدم إدراج زعيم الحركة الحوثية, الذي تعتبره الإدارة الأمريكية اليوم حليفا أساسيا في محاربة الإرهاب وتنظيم القاعدة في اليمن, بالنظر إلى المحادثات السرية الأمريكية الإيرانية التي كشفتها احدى الصحف الأمريكية قبل حوالي اكثر من شهر على لسان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بان بعض حلفاء ايران يعتبروا شركاء لأمريكا في محاربة تنظيم القاعدة.
ورغم أن الصحيفة لم تشر صراحة إلى من هم حلفاء ايران, أو تؤكد ذلك الإدارة الأمريكية, إلا أن اعتراف بعض المسؤولين الإيرانيين بأعمال وتصرفات الحوثيين قد ينطبق كلام الرئيس الأمريكي إلى حد ما على الحركة الحوثية كذلك, بالنظر إلى التوسع والتمدد الحوثي بدعوى محاربة القاعدة مسنودة بضربات الطائرات بدون طيار في مناطق تواجد القاعدة والمليشيات الحوثية.
من جهة ثانية ورغم ارتباط نجل الرئيس السابق السفير أحمد علي بمعسكرات ما كان يسمى بالحرس الجمهوري والذي ما يزال يحظى بولاء قادة هذه المعسكرات تبعا لكاريزما القائد الذي لا تزال تخضع القادة والأفراد له, ولان هذه المعسكرات هي أول من سلمت للحركة الحوثية في إسقاطها صنعاء ومدن أخرى. ربما كان الأجدر أن يصبح السفير أحمد على رأس قائمة العقوبات.
هي صفقة أخرى لعدم إخضاع نجل الرئيس السابق للعقوبات الدولية, ربما وهذه المرة لم تكن صفقة دولة واحدة بل الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية بمساعدة دول الجوار الجغرافي التي ربما استثنته من العقوبات في مقابل تقديمه كمرشح في انتخابات الرئاسة المقبلة رغم معارضة ذلك لاحد بنود قرار مجلس الأمن 2140 بتحريم الترشح للانتخابات للعسكريين قبل مضى عشر سنوات على الخدمة.
لكن يظل هذا البند عرضة للتغيير نظرا لما تفتضيه مصلحة الأطراف الخارجية والداخلية, وربما في حال فشل الرئيس الحالي في إدارة دفة الحكم وأشاع نية "هادي" لنيته على تقديم نفسه للانتخابات, الأمر الذي يعني أن المجال سيفتح أمام العسكريين والمدنيين.
وهذا يعني تبدد حلم الدولة المدنية الحديثة التي على أساسها وقعت الاتفاقيات, ويعني أن الدولة أصبحت عرضة للابتزاز من الأطراف الداخلية والخارجية فضلاً عن كونهم لا يحترمون تعهداتهم واتفاقاتهم, فهم كمتزلفين ومنافقين ينصحون الغير باتباع والخضوع للقوانين وينسون انفسهم.
وكما هي الإدارة الأمريكية التي توغلت في تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدولة إلى حد إقامة تحالفات سافرة مع المليشيات المتمردة والمسلحة بدعوى محاربة القاعدة, فلا تختلف عنها بقية الدول سواء الدول العشر الراعية للمبادرة أو مجلس الأمن بأعضائه الدائمين لا سيما دول الجوار الجغرافي.
كل هؤلاء يمارسون سياسات ازدواجية تجاه اليمن تبعا لمصالحها وامن حلفائها رغم قصر الفهم لنوع وطبيعة الصراعات الحزبية الراهنة إلى يسعى بعض الأحزاب إلى تحقيقها بواسطة السياسات التصارعية ومن وراء ستار الأمن الذي جعل من اليمن مسرحا للصراعات الداخلية فضلا عن الصراعات الإقليمية والدولية الأمر الذي كان من أسباب تعثر تحقيق أي نمو في السياسة وتحقيق أي مستوى من الأمن والاستقرار.
محمود الحرازي
هل اليمن مسرح للصراع الدولي؟! 1163