وسائل إعلام متفرقة طالعتنا مؤخرا بتقارير حول خطر التمدد الحوثي في اليمن على مضيق باب المندب - الرئة البحرية الثانية لدول الخليج، والمنفذ الجنوبي لقناة السويس. فهل هناك خطر حقيقي وشيك أو بعيد على الأمن القومي للخليج ومصر؟
بتتبع خط توسع الحوثي جنوبا، نعم يمكن القول إن مضيق باب المندب هدف استراتيجي كبير، كل من يتحكم فيه سيقبض بيديه على رقاب أهل المنطقة، وستتضرر مصالح دولية قطعا. مصر التي أزعجت الإيرانيين والأتراك والمنظمات المتشددة، هي هدف رئيسي لتمدد الحوثيين جنوب البحر الأحمر، للتحكم في مسار السفن من قناة السويس إلى المحيط الهندي، وهو استكمال لمحاولة خنق مصر من الجنوب بعد التضييق عليها شرقا وغربا من حماس وأنصار بيت المقدس.
الحوثيون لم يعد يلائمهم التمركز شمالا في صعدة بعد أن تضخمت آمالهم.. خالفوا توقعاتنا وزحفوا جنوبا، تاركين مقراتهم في الشمال بعد أن أمنها لهم جيش علي عبد الله صالح، في مواجهة مباشرة مع كل أعدائهم؛ «اللقاء المشترك» الذي يضم حزب الإصلاح الإخواني، و«الحراك الجنوبي» في الجنوب، وتنظيم القاعدة، إضافة للقبائل المستقلة، أو المنضوية تحت أحد هذه التكتلات. كل هؤلاء متمركزون في الوسط والجنوب، ويشكلون ممرا ملزما للحوثيين للوصول إلى الساحل.
عندما أعلن تقسيم اليمن في فبراير (شباط) الماضي إلى ستة أقاليم، اعترض الحوثيون لأن التقسيم ألقى بهم في حفرة بعيدا عن أي منفذ بحري، وهم اليوم يتحججون بأحقيتهم في المنفذ ويعدونه سببا لتحركهم جنوبا صوب الموانئ، وهذا غير دقيق بالمرة، لأنهم فعليا أحكموا قبل أيام سيطرتهم الأمنية على ميناء الحديدة - ثاني أكبر موانئ اليمن بعد عدن، بعد مواجهات دامية ونهب وتخريب، لكنهم مع ذلك متمسكون بالتوسع إلى الجنوب الغربي، أي تجاه المضيق. قبل أسبوع، دخلوا إب، واليوم وصلوا إلى تعز، ولولا حاجز تنظيم القاعدة لكانوا احتلوا باب المندب بعد يومين من احتلالهم صنعاء.
الحوثيون يتبخترون في أرجاء اليمن بثوب «حزب الله» الذي ألبستهم إياه إيران، التي صممت لعبد الملك الحوثي قبل أيام خطابا متلفزا بإخراج مشابه لخطابات نصر الله، أي ظهور على شاشة عامة أمام مناصريه، لكن الواقع أن صناعة «حزب الله» جديد ليس مشروعا سهلا، فالنسخة الأصلية اللبنانية متورطة حتى أذنيها في سوريا والعراق، فقدت الكثير من كوادرها وأموالها خلال 3 سنوات من المعارك الضارية. والأهم من ذلك أن «حزب الله»، منذ اتفاق الطائف، ظل الفصيل السياسي الوحيد المسلح في لبنان بحجة مقاومة إسرائيل، وتم نزع أسلحة بقية الميليشيات اللبنانية، لذلك عندما كان خصومه يتحدثون بلغة السياسة كان يرد عليهم نصر الله بالاغتيالات واحتلال بيروت بالسلاح، كان «حزب الله» متفردا بالقوة الفعلية على الأرض لأنه مسلح.
أما في اليمن، فإن تكوين ميليشيا مهيمنة أشبه بالمعجزة، لأن الحال في اليمن لا يشبه أي مكان في العالم، حيث لا يوجد أحزاب أو جماعات سياسية مدنية؛ كلهم مسلحون، حتى المواطن العادي مسلح، والأسلحة مثل الحليب والخبز تباع في محلات البقالة، وأذكر لقاء قديما مع علي صالح في قناة «العربية» يتحدث مفاخرا بأن الطفل اليمني «قناص» ماهر. هذا الواقع يعني بالضرورة أن دوران الرحى واختلاف موازين القوى أمر وارد في بلدٍ كل من يسكنه مسلح، ولن ينام الحوثي ليلة واحدة وهو يضمن ما سيصبح عليه.
في هذه الأجواء المشحونة بالغضب والتهديد ورائحة الرصاص، قد يضع الحوثي يده على باب المندب، ولكنها لن تدوم طويلا، لأسباب داخلية ودولية. لكنه سيكون نصرا معنويا بلا شك للحوثيين ولفريق علي صالح، لأنهم اخترقوا كل حواجز الصد من أقصى الشمال اليمني وحتى أقصى نقاط الجنوب، مشكلتهم الوحيدة أنهم مضطرون إلى أن يحافظوا على نقاط تمركزهم التي جمعوها منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وهذا يعني استمرار المواجهات إلى أجل غير مسمى، خاصة مع قوى «الحراك الجنوبي»، مما يعني تحديا جديدا لنزيف الموارد الإيرانية - البقرة الحلوب لعبد الملك الحوثي، وقرب انقسام الدولة إلى يمن شمالي شيعي، وآخر جنوبي شافعي.
المتخوفون من أن الإيرانيين يضربون عصفورين بحجر، أي السعودية ومصر، من خلال السيطرة على باب المندب، مخاوفهم منطقية، لأن المضيق ممر مائي مهم للدولتين، ولكن المجتمع الدولي لا يترك التحكم في مثل هذه الصمامات للعصابات الطارئة وقطاع الطرق، حتى في فترة تصادم إيران مع القوى الغربية قبل سنوات لم تجرؤ على المساس بمضيق هرمز رغم التهويل والترويج الإعلامي الذي صاحب تلك الفترة، فكيف بها الآن وهي تحاول الظهور بمظهر القطة الودود للولايات المتحدة. إضافة إلى أن أكبر وجود عسكري فرنسي في أفريقيا يوجد على سواحل جيبوتي - الدولة الثانية المواجهة للمضيق.
المضائق والمنافذ التي تؤثر في الاقتصاد العالمي لن تكون طرفا في اللعبة الإقليمية القائمة، لكن وصول الحوثي للمضيق ينذر بمستقبل مظلم لليمن، مع انقسام القبائل، واختلاف ولاءات قيادات الجيش، وضعف الحالة المعيشية للمواطن العادي، كلها مؤشرات خطر تقول إن على أصدقاء اليمن ألا يكتفوا بمطالعة المشهد من الشرفة، وإن كان علي عبد الله صالح يريد أن ينتقم من المبادرة الخليجية التي أخرجته صاغرا، فشتت شمل اليمنيين وألّبهم بعضهم ضد بعض وفرقهم تحت شعارات المصلحة المزعومة - فإن اليمن لا يزال يتطلع بأمل إلى أصدقائه، فاليمن أكبر من صالح، والعلاقة مع اليمن أهم من ألف صالح.
عن الشرق الأوسط
أمل عبد العزيز الهزاني
هل الحوثيون يستهدفون قناة السويس؟ 1102