تلازمت ظاهرة النزاعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية مع وجود الإنسان منذ نشأته الأولى واتخذت صورا وأشكالا مختلفة وقد اتسمت في العصور القديمة بالوحشية والقسوة وإهدار آدمية الإنسان، لم ي سلم منها لا المحارب ولا المسالم وإن كان أغلب ضحاياها من المدنيين الذين يعدون وقود الحروب وكثيرا ما تعرضوا للتهجير من أراضيهم، لكن كثرة النزاعات المسلحة في العصر الحديث بالإضافة إلى التطور الرهيب الذي وصلت إليه الأسلحة المستعملة أثناء العمليات العدائية وتطو ر الأساليب التي يستعملها أطراف النزاع لترحيل وإبعاد المدنيين من مواطنهم، أدت إلى زيادة استهداف المدنيين وزيادة المخاطر التي تتهددهم نتيجة مثل هذه الأعمال. لكن هذا لا يعني انعدام قواعد لحماية السكان المدنيين من أعمال الترحيل والإبعاد القسري التي تستهدفه م، فقد ظهرت بوادر الحماية في الحضارات القديمة وتطورت في الأديان السماوية وارتقت في العصر الحديث.
ما المقصود من التهجير القسري ؟
التهجير القسري هو "ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها.
وما هو الهدف الأساسي من عمليات تهجير السكان من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى؟ وكيف يتم اختيار المناطق الخاضعة للتهجير؟ وإلى أين يتم ترحيل المشمولين بالتهجير؟ ومن يتول إيواءهم؟ هذه الممارسات مرتبطة نوعا ما بالتطهير الذي كان للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية موقف الإدانة القاطعة كما حصل في يوغسلافيا السابقة أو رواندا حيث سيق المتهمون إلى العدالة الدولية لنيل جزائهم العادل.
ويندرج التهجير القسري للسنة العراقيين المستمر منذ بداية الاحتلال الأمريكي عام 2003 وأخذ درجات عالية من الفعالية من شباط 2006، بهدف إخراجهم من مناطقهم، يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
يخلط كثير من متابعي المشهد العراقي عن عدم معرفة حينا أو عن سوء قصد في معظم الأحيان بين مفهومين مختلفين من الناحية القانونية وإن التقيا من حيث النتيجة، الأول هو التهجير القسري الذي يعرّفه القانون الدولي الإنساني بأنه "الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها" وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسري جريمة حرب.
الإبعاد أو النفي يعنيان النقل إلى خارج حدود الإقليم، بينما يتعلق النقل القسري بالتهجير داخل حدود الإقليم، وعادة ما يحصل التهجير نتيجة نزاعات داخلية مسلحة أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي لمكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن مصلحته الآنية أو المستقبلية تكمن في تهجير الطرف الآخر، ولا يحصل التهجير إلا في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العراقي بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما، ومقابل ذلك تولد شعور لدى الفريق المستهدف بالتهجير بأن هناك خطرا جديا وفوريا يمكن أن يتعرض له في حالة امتناعه عن الهجرة، ويلتقي المهّجرون في انتمائهم لمكون ديني أو عرقي أو مذهبي أو سياسي واحد.
أما الثاني فهو النزوح الإرادي أو الاضطراري لتجمعات سكانية تنتمي لمكونات مختلفة، من مدينة أو منطقة أو مناطق سكناها إلى مناطق أكثر أمنا، نتيجة شعور عام بوجود خطر مباشر على الجميع أما لنشوب حروب نظامية بين دولتين أو أكثر، أو لحصول كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات والسيول، وعادة ما يحصل هذا النوع من النزوح في المناطق الحدودية في حال نشوب نزاعات خارجية مسلحة بين الدول المتجاورة، غير أن التطور الحاصل في الأسلحة وخاصة في مجال الطائرات والصواريخ العابرة للقارات، لم يبق مكانا لمفهوم المناطق الآمنة من الناحية العملية يمكن أن يلجأ إليها المدنيون الذين لا صلة لهم بالنزاع، في الحروب الحديثة نتيجة القصف الجوي أو الصاروخي، وعلى العموم تهب الدول والمنظمات التي تهتم بشؤون الإغاثة لتلبية متطلبات النازحين والمهجرين على حد سواء، إلا أن تسييس ملف التهجير القسري أيسر من تسييس ملف النزوح، على الرغم من أن حوادث كثيرة لنزوح جماعي حصلت نتيجة كوارث طبيعية لم تخل من التسييس أيضا، إذ تلجأ الدول المتضررة أو المانحة لكسر حاجز الجليد بينهما أثناء المداولات الخاصة بتقديم الإعانات الإنسانية، لكن الحكومات والجماعات المسلحة الداخلة في نزاعات كثيرا ما كانت تعرقل وصول المعونات الإنسانية للمهّجرين ولا تفعل ذلك مع حالات النزوح.
النزوح القسري أو التغييب القسري أو التهجير..
و لعل أول من باشر الهجرة القسرية هو النبي موسى عليه السلام حين نأى بقومه إسرائيل من مصر عابرا بهم البحر وذلك كما قال تعالى في القران الكريم (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ) . و ( قال الملا من قوم فرعون أن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون )[1]و الآيات كثيرة تدلنا كيف سار موسى بقومه حتى عبروا البحر باتجاه فلسطين نائيا بهم من طغيان فرعون و بطشه. ثم كانت موافقة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه، بالهجرة القسرية إلى الحبشة حيث امتدت سنوات طوال، ثم أعقبها هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة ،التي كان من أهم أسبابها اضطهاد المسلمين من قبل مشركي مكة فتمت الهجرة و تأسست نواة الدولة الإسلام. كما قال تعالى (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا آمنا بالله) و في العصر الحديث تستمر أعمال التغييب القسري أو التهجير من البلدان التي يسودها حكم استبدادي شمولي، و قد عالج المفكر المصري هذه المشكلة في مناقشته لأثر الهجرة على استقرار النظام السياسي في مصر قائلا: ( إن وجود عناصر المعارضة المصرية في بلدان النفط المجاورة يمثل نعمة و نقمة بالنسبة للنظام السياسي فمن ناحية يمثل غيابهم عن الساحة المصرية أضعافا لصفوف المعارضة الداخلية و النظام يرحب بذلك اعتقادا أو أملا منه أن هؤلاء المعارضين سيعكفون على جمع الثروة بدلا من إشعال الثورة . و قد حدث بالفعل أن بعضهم تحول من مجال السياسة إلى ميدان التجارة و النشاطات المهنية خارج مصر ،إلا أن هناك قلة لا تزال ترفع صوتها بانتقاد النظام و قد وجدت منفذا سهلا لتمرير أفكارها من خلال وسائل الإعلام في البلدان المضيفة[2]و هذا يعني أن الهجرة لبلاد النفط و المال كتلك القادمة من الدول العربية كمصر والعراق و الشام و اليمن و السودان .. قد أزاحت جزء من عناصر عدم الاستقرار بتصدير المشكل بعيدا عن الحدود الجغرافية لدول المنشأ . و قد حدث العديد من الهجرات القسرية عبر التاريخ الحديث سواء في الاتحاد السوفيتي سابقا أو حين قام النازيون بتهجير جماعات مختلفة من الدول الأوروبية إلى دول أخرى ،و ما أشنع ما نراه اليوم لهذا العدد الهائل من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم بسبب العنصرية والإرهاب الصهيوني و قرار دولي من الأمم المتحدة التي خلقت المأساة كاملها منذ إنشائها لدولة العدوان. هذه صور سريعة لبعض جوانب التغييب القسري أو الهجرة القسرية عرضتها فقط في السياق التاريخي. وبالإضافة إلى المسبب السياسي في التغيب القسري والذي قدمناه أنفا من خلال ممارسات الأنظمة القمعية الاستبدادية ،فإننا لا نستطيع آن نغفل السبب الاقتصادي الذي يشدد الخناق على الناس ،والذي يتمثل في بعض الدول التي تنشا فيها احتكارات النظام وأفراده وأبنائه للثروة و امتصاص هذه الثروة من جيوب الناس إلى جيوب محاسيب السلطة وأنصارها مما يجعل التساوي في فرص العمل معدوما مما يدفع الناس إلى الغياب القسري أو الهجرة القسرية والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى في عالمنا العربي
بذلك يعتبر أخلاء سكان رفح لا يعتبر تهجيرا قسريا
إن الأجهزة المعنية بمحافظة شمال سيناء بدأت مساء الثلاثاء عملية إخلاء منطقة الشريط الحدودي بمدينة رفح المصرية من السكان”. فيما قال شهود عيان: إنّه “قوة عسكرية كبيرة من القوات المسلحة، وطالب الجيش من المواطنين سرعة إخلاء منازلهم لتنتشر القوات بالمنطقة التي تبلغ طولها 13 كيلومترًا؛ لإقامة المنطقة العازلة للقطاع الفلسطيني، والبدء في حفر قناة مائية بطول الحدود مع قطاع غزة؛ لمنع حفر الأنفاق بين مصر والقطاع.
إن الجيش قرر البدء بإخلاء المنازل التي تقع على بعد 300 كم من حدود غزة أولًا، وفي مرحلة ثانية سيبدأ إخلاء السكان على بعد 500 متر، لأن الهدف إخلاء المنطقة على مسافة لا تقل عن 7 إلى 10 كم”، حسبما قالت مصادر عسكرية، أن التفاوض بين الجيش ومجلس المدينة برفح والمواطنين، تم باقتراح، إما صرف تعويضات مناسبة للمواطنين القاطنين بالشريط الحدودي، أو إعطائهم قطعة أرض بديلة في الصحراء، وأشاروا إلى أن إجمالي هذه المنازل المفترض أن يجري هدمها قرابة 880 منزلًا. “إنّ لجنة مشتركة من الجيش ومجلس مدينة رفح قامت بالمرور على المنازل الواقعة على الشريط الحدودي برفح؛ لعمل حصر لها على طول الشريط، في مسافة لا تقل عن 5 كيلو متر، وهي المنطقة الآهلة بالسكان والتي تنشط فيها أنفاق التهريب إلى قطاع غزة”. “إن اللجنة قامت بحصر أكثر من 880 منزل يسكنها نحو 10 آلاف شخص، وتم عمل استقصاء بين السكان لقبول 3 خيارات رئيسية لإخلاء المنطقة الأولى الحصول على تعويض مادي، والثاني قطعة أرض، والثالث الحصول على وحدة سكنية، وقد تم رفض الاقتراح الثالث نهائيًا وتم استبعاده من الأهالي”.
وقد أكّد بيان صادر عن القوات المسلحة، الثلاثاء عملية التهجير ضمنًا بتأكيده: “أن الجيش قرر إقامة منطقة مؤمَّنة على امتداد الشريط الحدودي بين رفح وغزة، وأنه تم التصديق عليها خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الدفاع الوطني، واجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي انعقد في أعقاب الهجوم الإرهابي الأخير في سيناء”، وهو ما لم يعلن عنه في حينه. “إنّ تأمين المنطقة سيتم عن طريق عملية إخلاء للسكان بطول الشريط الحدودي؛ وذلك لعدم استغلال تلك المنطقة في أي عمليات إرهابية، مثل حادث “كرم قواديس” الأخير”. ووفقًا لتقارير مختلفة،
وأثار الهجوم الأخير غضباً كبيراً في الشارع المصري بين من يطالب بـ الثأر والقصاص، ومن يتهم السلطات الحالية بـ عدم توفير الأمن لأفراد القوات المسلحة، التي تعرضت للعديد من الهجمات المماثلة، في الوقت الذي تشارك فيه وحدات الجيش في حماية المنشآت الحيوية بالدولة. إن مسلحين يستخدمون الأنفاق مع قطاع غزة، لتنفيذ عمليات تستهدف قوات الأمن، وتهريب مطلوبين، بينما اتهمت وسائل إعلام مصرية حركة المقاومة الإسلامية حماس بالضلوع في تلك الهجمات، الأمر الذي نفته الحركة التي تسيطر على القطاع الفلسطيني مراراً. وإزاء الجدل الذي أثير حول إخلاء سكان المنطقة الحدودية في رفح، أن تكون عملية الإخلاء تهجيراً قسرياً، كما فعل الأتراك بالأرمن إبان الإمبراطورية العثمانية ، لأنه لحماية الأمن القومي، لكشف أي تحركات أمام قوات الأمن هناك.
لان الجهات المعنية حددت نحو 250 مليون جنيه كتعويضات لقاطني المنطقة الحدودية، التي صدر بشأنها قرار بإخلائها من السكان، الذين يصل عددهم إلى حوالي 1050 مواطن، حيث تبحث معهم الجهات المعنية نوعية التعويضات، والأماكن التي سينتقلون إليها. أن نحو 65 في المائة من أهالي الشريط الحدودي وافقوا على ترك منازلهم بشكل طوعي، ويجري التفاوض مع باقي المواطنين في المنطقة. لان إخلاء المنطقة الحدودية سيكون له تأثير كبير على الأمن القومي، لان المرحلة الأولى تشمل إخلاء السكان على مسافة من 300 إلى 500 متر من الحدود، وإنه يتم البحث في حل هندسي، للقضاء على خطر الأنفاق ، سواء بإنشاء مانع مائي بطول 14 كيلومتراً، يمكن أن يمتد إلى طابا في جنوب سيناء، أو تركيب ستائر حديدية من مواد غير قابلة للاختراق. أن إخلاء الشريط الحدودي لا يمكن اعتباره تهجيراً قسرياً، لأنه لا يوجد تملك على الشريط الحدودي لان ما يحدث على خط الحدود، أدى لما نراه حالياً, في إشارة إلى الهجوم الأخير على قوات الجيش في شمال سيناء. لأن التحريك وليس التهجير لا يضر بأهالي رفح، حيث توجد العديد من البدائل لتعويضهم، منها تعويضات عينية وسكنية وأراضي بديلة، لان مصر حريصة على شعبها، من منطلق ميزان دائم مع الأمن القومي. أن الحكومة كانت قد وفرت حياً كاملاً لقاطني الشريط الحدودي في العريش في وقت سابق، ولكن الكثير منهم رفض الانتقال إليه، مشيراً إلى نفوذ لحركة حماس بالمنطقة ، لان مساحة سيناء تصل إلى أكثر من 60 كيلومتر مربع، وعدد سكانها يتجاوز المليون نسمة لأنه لا توجد أي دولة أو تكتل أو منظمة دولية تستطيع أن تجبر مصر على القبول بإخضاع معبر رفح ليكون تحت الإشراف الدولي، لأنه من الناحية القانونية لا يمكن أن يتم مثل هذا الأمر على دولة مكتملة السيادة إلا بموافقتها.
أنه لا يمكن إملاء أي شروط على دولة ذات سيادة مثل مصر، خاصة وأن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية مصر تعتبر طرف ثالث فيها، وليست طرفا أساسيا في الصراع. أنه من حق مصر اتخاذ كافة التدابير الأمنية من أجل فرض سيطرتها الكاملة على معبر رفح، ورفض أي مظاهر إشراف دولي عليه، وذلك لأن الدولة المصرية ليست منقوصة السيادة، ومن حقها أن تتخذ كافة التدابير التي من شأنها حماية أمنها القومي. ومنها تحريك سكانها من على المنطقة الحدودية للاعتبارات الأمن القومي مع صرف كافة التعويضات للسكان النازحين من منطقة الحدود إلى منطقة أخرى داخل البلدة..
د. عادل عامر
مفهوم التهجير القسري في القانون الدولي العام 2439