لم تكن المحاولات الحوثية في التعرُّض لوسائل الإعلام المختلفة, وإغلاق بعض القنوات واقتحام مقرات بعض الصحف, فضلاً عن التعرض المباشر للصحفيين, إلا دليلاً فاضحاً على عجز وخوف الحركة من تزايد سخط المواطنين التي بدأت نظراتهم تتغير حيال الحركة نتيجة الممارسات المغلوطة وغير المبررة وغير المنطقية لما تقوم به من مهام غير مهامها وفي مناطق في غير محيطها وبقوة السلاح. فضلاً عن أن التعرض لوسائل الإعلام من قبل الحركة الحوثية الهادفة إلى القبول بها في المناطق التي تسعى إلى الوصول إليها عبر إقناع الناس بقوة الحركة وقدرتها على تحقيق مالم تستطع الدولة من تحقيقه وإنجازه, وذلك عبر قمع الحريات ووسائل الإعلام التي استطاعت أن تفضح مخططاتها التي تسعى إليها. إن عجزَ وخوف الحركة هو ما حملها إلى محاولة تكميم الأفواه, في الوقت الذي تُعتبر الحركة في نفسها متناقضة تماماً مع أفعالها على الواقع, كأن تطالب بسرعة تنفيذ مخرجات الحوار في الوقت الذي تسعى فيه إلى نشر الفوضى والدمار والحروب, وفي الوقت الذي تعجز فيه عن تكوين مليشياتها في ظل مكوِّن سياسي مُشارك ومنافس في الحكومة كما نصَّت عليها مخرجات الحوار, أو أن تسعى إلى صبِّ جمّ غضبها على التدخلات الأميركية في الوقت الذي تمنحه لإيران كطلبها تعيين مبعوث دائم لها لدى إيران. تمارس الحركة الحوثية انتهاكات مخزية وغير قانونية ضد وسائل الإعلام المختلفة معتمدة في ذلك على الصمت الرئاسي الذي ربما كان بمثابة الضوء الأخضر للتسليم بممارسات الحركة ضد الإعلام الأهلي والحزبي وباسم الدولة وتحت رعايتها؛ الأمر الذي قد يزيد من سخط الناس كما أدنته بعض المنظمات المعنية بحقوق الصحافة والإعلام. هذه ربما هي نظرة مبدئية لما سيكون عليه الحال مستقبلا من اعتداءات على حرية الرأي السياسي والنقد الذي كفلته قوانين ودستور الدولة بانضمام مكوِّن جديد بل ومسلَّح لا يؤمن بالحرية السياسية والنقد الذي يساهم بشكل كبير في بناء النظام السياسي للدولة, الأمر الذي قد ينسف جهود الدولة في التحول إلى الفيدرالية وحتى تشكيل الحكومة. ربما أفلح الأمر أن ترحب الدولة والحكومة بمكون أو شريك جديد ومسلح بقوة السلاح والتهديدات, غير انه فشلت في ذلك مع بعض المكونات القبلية التي جابهت ذلك بالمرصاد ولم تخضع للتهديدات وقوة السلاح بل وواجهت ذلك بالمثل, ممَّا شكك الكثيرين في مصداقية ما تدعو لأجله مثل هذه الحركة. العظمة الجوفاء التي ترتكز عليها الحركة الحوثية ليست أكثر من كونها قائمة على المزاج الشخصي والانفعالات والخواطر الآنية المعتمدة على التحالفات مع الغير وعلى الصدفة والحظ, والتي من خلالها تهدف إلى السيطرة على بعض الأجهزة المهمة للدولة باسم القيادة السياسية لتمارس اعتداءاتها المختلفة على المؤسسات الأهلية والحزبية والشخصية وحتى المواطنين انفسهم في سبيل تحقيق أهدافها ومخططاتها الجوفاء بما قد يؤثر على الدولة ويسارع في وتيرة انهيارها.
محمود الحرازي
الإعلام بين القمع والحرية! 1164