;
منصور بلعيدي
منصور بلعيدي

ربيع تونس.. وخريف العرب!! 1284

2014-10-30 17:09:18


 تونس الخضراء.. كان لها شرف السبق في صنع الربيع العربي حين انطلقت منها أولى ثوراته الناجحة.. على عكس ما حصل في بلدان الربيع العربي الأخرى التي اضمحل ربيعها حتى صار خريفاً مزعجاً تعصف أعاصيره الهوجاء بأوراق الربيع الغضة قبل نضوجها فتقتلعها من جذورها لتصبح أشجارها كالحة مشوهة بعد أن كانت يانعة بهية.. إلا تونس فلها شأن آخر!! نعم تونس المبتدأ والخبر لهذا الربيع العربي الذي انتهى قبل أوانه باستثناء تونس .. لقد سقط ربيعنا في غمضة عين في مصر وسوريا واليمن وليبيا .. والحبل على الجرار إلا تونس ..لكن لماذا بقيت تونس؟! يرى البعض أن الظروف الموضوعية والذاتية لم تنضج بعد لقيام ثورات الربيع العربي ولهذا كان سقوطها أسرع مما توقعنا . ويرى البعض الآخر أن حكم الإخوان المسلمين في مصر بما اظهر من ميل نحو البناء والتنمية والعدالة الاجتماعية وبسط الحرية وصون الكرامة التي افتقدها الإنسان العربي ردحا من الزمن هي أسباب كافية لسقوط الربيع العربي كونه سلم إلى أيادي الإسلاميين الذين اظهروا بسذاجتهم النوايا الصادقة لانتشال الإنسان العربي من وهدة الظلم والاستبداد وشرعوا في وضع اللمسات الأولى لبناء صرحا اقتصاديا قويا يخرج الوطن من دائرة التبعية الاقتصادية للغرب مما يقود إلى ميل الشعوب العربية إلى الحكم الإسلامي لأنه يحقق لها تطلعاتها في العيش بكرامة وحرية في أوطانها فانقضت عليهم الجوارح وأسقطتهم ومعهم سقط مشروع النهضة إلى ما شاء الله. ويرى آخرون أن هذا السقوط المدوي للربيع العربي بهذه السرعة سببه أن أكثرية الشعوب العربية قد تشبعت بالأفكار العلمانية الغربية المنشأ التي تربت عليها طوال عشرات السنين في أحضان العلمانية وأصبحت ثقافة شعبية لها حضورها الفاعل في المجتمعات العربية ، وهذا لا يؤهلها لان تستقبل التغيير المنشود ما لم يأت عن طريق الغرب الذي صار نموذجا لها ، وما دونه فغريب عنها ، وذلك ما جعلها تنفر من الإسلاميين لأنهم لا يمثلون ثقافة التبعية وحياة الإباحية التي صارت طبيعية في الوسط الاجتماعي العربي اثر تغييب الثقافة الإسلامية وتشويهها وتصويرها بأنها ثقافة الماضي ليس إلا. ورغم أن خليطا من هذه الآراء قد حصل.. لكن الراجح في تقديري والرأي الفاصل فيما حصل للربيع العربي أن الإسلاميين وصلوا إلى الحكم في واقع لا يتقبل التغيير والتجديد بسهولة ..فثقافة الاستبداد والحكم الفردي واعتماد أسلوب القمع والبطش الشديد بالمعارضين مازالت تستهوي المواطن العربي في الغالب –وخاصة النخب العربية التي أفسدت الحاكم والمحكوم على السواء- وحين رأت الشعوب العربية المنشأ العلمانية الفكر والثقافة أن الإسلاميين يميلون للجنوح إلى السلم في التعاطي مع واقع لا يألف إلا القوة والعنف ، وأنهم أخذوا بأسلوب الرفق والتسامح والتقاضي عن الطاعنين زورا في نزاهة الإسلاميين لإسقاطهم والتمادي في التعريض بهم والتطاول عليهم دونما إجراءات رادعة للمتطاولين والمتطفلين – وهي أساليب تعود عليها الإنسان العربي طويلا وأصبحت في مخيلته طبيعية بل سببا للاستقرار – لما رأوا ذلك - لم يرق لهم فمالوا مع المتآمرين ورجالات الدولة العميقة لأنهم كانوا أقويا في البطش بمخالفيهم على عكس الإسلاميين المتساهلين مع خصومهم الألد .. وهنا سقط الربيع العربي قبل أن يثمر لان الإسلاميين لم يحسنوا التعامل مع واقع لم يألفهم ولايا لف التسامح والرحمة مع المناوئين ولا يؤمن إلا بالقوة والردع. لكن لماذا نجحت تونس في تجاوز هذا المنعطف الخطير وتلافت الوقوع في الفوضى الهلاكة التي حاول البعض استيرادها من مصر إلى تونس ففشلت؟! في تقديري أن الإسلاميين التونسيين كانوا على ثقافة واسعة ومعرفة عن كثب بأمور الواقع.. وابتعدوا قليلا عن المثالية (الطوباوية) لان قياداتهم عاشت زمنا طويلا في فرنسا وتعلمت كيف تدير الحياة بما يناسب الزمان والمكان دون استجرار للماضي في التعاطي مع الحاضر كما فعل غيرهم في بلدان الربيع العربي. وهكذا استطاعت تونس أن تفوت الفرصة على أعداء الحياة في إسقاط ربيعها الزاهر.. واستطاع قادتها "إسلاميون وعلمانيون" إخراج البلد إلى بر الأمان رغم العواصف العاتية التي فتكت بأخواتها . ولان تونس تفردت عن أخواتها بعمق ثقافة أبنائها ووعيهم الحضاري وبجيشهم المبني على عقيدة عسكرية واضحة جلية اسمها (حماية الوطن وأهله) لا التحكم بالوطن وسحق المناوئين لحكم العسكر كما فعلت بقية الجيوش العربية. كما أن الجيش التونسي كان حجر الزاوية في استقرار البلد واثبت انه جيش وطني بامتياز وانه لا يشبه الجيوش العربية التي لم تكن إلا قبائل همجية بزي عسكري.. عاشت وترعرعت في أحضان الحاكم الفرد وتربت على ثقافة حماية الحاكم لا حماية الوطن وبعقلية (تمام يا فندم). فهنيئاً لتونس هذه النخب الواعية الحكيمة "علمانية وإسلامي" وتباً لقيادات الثورات المضادة التي سحقت شعوبها ووأدت ثوراتهم وأعادت أوطانهم إلى عصور الانحطاط.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد