* عام مضى من عمرنا أُحصيت فيه الأنفاس وسجلت فيه مثاقيل الذر من الطاعات والسيئات وسنجد كل ذلك أمامنا "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ".. فوفقنا اللهم لتدارك ما بقي من أعمارنا بالطاعات.
* عامٌ مضى من عمرنا فعلت جوارحنا فيه ما فعلت فإن كان خيراً أفلحنا وإنْ كانت الأخرى كانت شهوداً تديننا "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". وقال تعالى "حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". فرحم الله من نقَّى جوارحه وبواطنه من الآثام واعملها في رضى الملك العلام.
*عامٌ مضى من عمرنا قطعت فيه أرحام وأُزهقت أنفس واُنتهكت الحرمات من اجل متاع دنيوي زائل مهما كبر فهو قليل ومهما بدى جاداً يستحق المنافسة والمصارعة عليه, إلا انه في حقيقته لعب ولهو "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا".. هكذا كل متاعها قليل تُكبّره الغفلة عن الله واليوم الآخر..
وقال تعالى "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ". فاكبر متاع الدنيا ومناصبها لعب ولهو فانٍ وان سفكت الدماء لأجلها أمام نعيم حقيقي خالد في الآخرة ولا يدرك ذلك إدراكاً عملياً إلا الأتقياء فهم فقط العقلاء.
* عامٌ مضى على خيانة الخونة لأماناتهم وتفريط المسؤولين في واجباتهم وعبث العابثين وتخوضهم بأموال أُمتهم وعلى تآمر المتآمرين على شعوبهم وستذهب المكاسب التي أمّلوها من وراء ذلك وستذهب مناصبهم وجاههم بالموت أو تقلبات الأيام وستبقى التبعات وعذابات شعوبهم تلاحقهم وتحيط بهم غداً بأهوال لا تخطر على بالهم.
فهي اكبر من أن يُعلّق الإنسان بين السماء والأرض. عن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال" ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنينَّ أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا على شيء" رواه احمد بسند حسن. والعرفاء والأمناء من يعينهم الحكام على الناس وفي رواية في مسند الإمام احمد أيضاً بسند حسن " ويل للوزراء ليتمنّى أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض وانهم لم يُولوا عملاً".
ويبعثوا مقيدين تهلكم مظالمهم. عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال" ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بِرُّه أو أوثقه إثمه أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة" رواه الإمام احمد والطبراني وغيرهما بسند صحيح.
وتظل عليهم القيود حتى يقضى بينهم وبين من تآمروا عليهم فيا خسارتهم وما أغبى طريق الفجور الذي سلكوه. قال صلى الله عليه وسلم" ما من رجل وُلِّي عشرة إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يقضى بينه وبينهم" رواه الطبراني بسند صحيح.
وغير ذلك مما ينتظر ظلمة الحكام والمسؤولين وكل من تولّى أي ولاية على المسلمين, فخانهم وغشهم أو شقّ عليهم وهي عقوبات كثيرة مهولة ثُبتت بالسنة الصحيحة ولا ينجو من ذلك إلا مسؤول صادق شريف يستحضر أمانة المنصب وأهوال خيانته يوم يلقى ربه.
الشيخ / علي القاضي
في ذكرى عامٍ هجري جديد..1 1429