لم نكن نخط في الرمل حين قلنا إن السيناريو اليمني سيحاكي نظيره العراقي فيما يتعلق بمنح قطاع كبير من اليمنيين لحاضنة شعبية لتنظيم القاعدة في سياق حربه ضد الحوثيين بعد الإهانة التي وجهوها للغالبية من الشعب اليمني باحتلالهم الهمجي لصنعاء وعدد من المحافظات الأخرى.
كان التنظيم يعاني من عزلة شعبية بسبب شعور قطاع كبير من اليمنيين بأنه يخرّب على مسار استكمال ثورتهم ضد المخلوع، وبالطبع بسبب عدد من العمليات الإشكالية التي نفذها وأصابت مدنيين، فضلاً عن الجيش والشرطة.
وللتذكير، فقد كان الشعور العام أن التنظيم يخوض معركة عبثية، وهو أبدى استعدادا للحوار مع الدولة، بل وافق على ذلك عمليا، ومن كان يرفض ويصر على استمرار نشاط الطائرات الأمريكية بدون طيار ضد عناصر التنظيم هو الرئيس عبد ربه منصور هادي.
الآن يستعيد التنظيم نشاطه محمولا على حاضنة شعبية، بل بتعاون كبير من قبل مسلحي العشائر، وصولا إلى انضمام مسلحين من التجمع اليمني للإصلاح إليه، وهم شبان ربما لم يعجبهم موقف الحزب ممَّا جرى، مع أن مقاربته للمشهد ربما كانت صحيحة إثر شعوره بأن المخطط كان يقضي بضربه بالحوثيين على أمل أن يخسر الطرفان، في حين لم يكن بوسع الحزب الانتصار في المواجهة في ظل تواطؤ الجيش المحكوم بفلول المخلوع مع الحوثيين. وهنا نشير إلى ما كشفه ديفيد هيرست عن لقاء في روما بين أحمد، نجل المخلوع (سفير اليمن في الإمارات)، وبين الإيرانيين شهد الصفقة بين الطرفين.
ولا حاجة للتذكير أيضا بأن أولوية أنظمة الثورة المضادة المعروفة منذ ثلاث سنوات هي مطاردة الثورات والإسلام السياسي السنّي، ما يعني أن الهدف كان يتمثل في ضرب الثورة وتخريبها وإعادة صالح أو نجله أو فلوله للسلطة مع ضرب الإخوان، لكن المفاجأة التي لم يحسب لها هؤلاء حسابا هي أن حسابات إيران تختلف عن حساباتهم من حيث إرادتها السيطرة على اليمن كجزء من مشروع تمددها، وكجزء من المساومات التالية، وبخاصة فيما يتعلق بالملف السوري، وحيث يرى الإيرانيون أن إنقاذ نظام بشار هو الركن الأهم في تثبيت مشروع تمددهم في المنطقة أكثر من أي ملف آخر، لاسيما أن تهديد نفوذهم في العراق يبدو مستبعدا إلى حد ما، وإن اضطروا إلى تقديم بعض التنازلات للعرب السنة من أجل ضمان بعض التعاون منهم ضد تنظيم الدولة، فضلا عن أن ذلك كان جزءاً من شروط الغرب لبدء الهجوم على التنظيم.
لكن حسابات إيران كانت خاطئة، حيث لم يدركوا أن اليمنيين لن يسكتوا على الإهانة التي وجهها إليهم الحوثيون، وسيبادرون إلى منح حاضنة لتنظيم القاعدة، فيما سيبادر بعضهم أيضا إلى حمل السلاح ومواجهة الحوثيين، وهي إن سيطرة التنظيم على بعض المناطق والعمليات التي قتلت المئات من الحوثيين إلى الآن تشكل دليلا على ذلك.
ربما كانت الفوضى في اليمن مطلوبة في اليمن، كما في ليبيا بالنسبة لبعض أنظمة الثورة المضادة التي تريد تلقين الشعوب درساً في عدم التمرد على الأوضاع القائمة، لكن المؤكد أن وضع السعودية يبدو مختلفا هنا، فهي تجد نفسها أمام تمدد إيراني في خاصرتها الجنوبية وسط تصعيد إيراني سياسي وإعلامي غير مسبوق ضد المملكة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف ستتصرف السعودية في هذه المعركة، وهل ستسكت على استمرار سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة اليمنية، كما الحال في لبنان (أجرى المقارنة ولايتي، مستشار خامنئي قبل أيام)، أم سيكون لها موقف آخر؟!
ما نرجحه هنا هو أن السعودية ستجد سبيلا إلى إرباك الحوثيين، لاسيما أن أي سيناريو لن يعيد اليمن متماسكا في المستقبل القريب (احتمالات انفصال الجنوب تتصاعد)، ولا يُستبعد أن تبادر إلى دعم جميع القوى العشائرية والمسلحة التي يمكن أن تتصدى لهم وتربك حساباتهم، بما في ذلك القاعدة نفسها إذا اقتضى الأمر.
هكذا يتأكد أن حسابات إيران المغرورة قد ورطت الحوثيين في مستنقع بائس.
*الدستور الأردنية.
ياسر الزعاترة
اليمن والقاعدة والحوثيون 1451