يبدو أن "السيناريو" الذي تعاملت به الانظمة المتلاحقة في اليمن مع تهامة وأبنائها على مدى عقود هو نفسه الذي تستخدمه اليوم جماعة الحوثي (أنصار الله) معهم , وإن كان الأخير يظل قوة موجودة دون أن يتسلَّم زمام الحكم في اليمن رسمياً.
من يعود قليلاً إلى التاريخ الماضي ويتأمل جيداً فسيجد أن التهاميين كان لهم دور المقاومة والصمود أمام الغزاة البريطانيين والعثمانيين ومقاومتهم للحكم الإمامي وجسَّدت قبائل تهامة (الزرانيق – القحرى – صليل ) وغيرها أدواراً بطولية ضد هذا الحكم الاستبدادي الجائر.
وظلت تهامة تقاوم أيضاً خلال فترة النظام الجمهوري "المؤمم" الذي تعامل مع تهامة وأراضيها كمنطقة "فيد" ومحل تعويضات لقيادات عليا في الدولة دون أن تمنحها أدنى حقوقها, تخلَّلها عمليات سطو ممنهجة بقوة السلاح وبعنجهية كان يستخدمها المحسوبون على النظام في تهامة دون غيرها.
استبشر التهاميون خيراً مع انطلاقة الشرارة الأولى لثورة فبراير 2011م والتي كان تجسِّد لهم طريقاً إلى الدولة المدنية التي ينشدونها للتخلص من السيناريو السلطوي الاستبدادي الذي سئموه خلال العقود الماضية.
تبدَّدت أحلامهم بعد فشل حكومة الوفاق في إدارة البلاد والاخطاء التي حدثت في سياسيات الدولة واشتركت معها الاحزاب السياسية استغلتها جماعة الحوثي وبمساندة مؤتمرية في السيطرة على عدة محافظات ومنها السيطرة على العاصمة ومعسكرات استراتيجية بعد كسب ولاء قياداتها لهم, وساهم ذلك بشكل كبير في الزحف نحو محافظات مختلفة ومنها محافظة الحديدة (عاصمة إقليم تهامة) والتي سلمت لهم بناءً على التوجيهات العليا.
الحوثيون لم يحترموا إرادة التهاميين "حراكاً – أحزاباً سياسية – مستقلين وشاب فبراير- منظمات مجتمع مدني " في إبقاء المحافظة بعيداً عن الصراع , ولم تَعنِ لهم رغبة التهاميين في ذلك بشيء , فبدأوا باستعراضهم العسكري داخل شوارع المحافظة في صورة استفزازية لأبنائها بحثاً عن أدنى ردة فعل منهم لتحليل تصويب فوهات البنادق والرشاشات إليهم وإلى أطفالهم , وما حدث من اقتحام مسلح من قبل الجماعة المسنود بالأطقم المدججة بالسلاح يوم أمس على أبناء حارة اليمن – معقل الحراك التهامي- إلا دليل واضح على عدم احترام ارادة الآخرين , وجاء هذا الاقتحام كردة فعل معادية بعد المسيرات التي نظمها الحراك للمطالبة بإخراج الجماعات المسلحة من المحافظة وإعلان برنامجه التصعيدي.
هل يدرك الحوثيون اليوم أن ثقافة الاستبداد والتسلط و"سيناريو" القمع قد سئم منه التهاميون ؟ وهل يدركون أيضاً أن التهاميين مسالمون وفي الوقت نفسه لن يقبلوا بالاستبداد مهما كلفهم ذلك من ثمن ؟,
إذن على " أنصار الله" أن يعودوا لقراءة تاريخ التهاميين بتمعُّن!.
حسن مشعف
الحوثي وسيناريو القمع في تهامة 1432