باستمرار حالة التمدد المسلح لميليشيا الحوثي على مختلف المحافظات اليمنية بتلك الوتيرة المتسارعة ودون أي رادع يردعها أو يكسر شوكة تمردها, بل على العكس من هذا فقد كانت المحافظات تسلم لتلك الميليشيا بتوجيهات عليا وإلا كيف يمكن تفسير الانسحابات المفاجئة لأفراد الأمن من المواقع والمؤسسات الحكومية بمجرد دخول المجاميع المسلحة إليها واستبدال النقاط الأمنية باللجان الشعبية " الحوثية"؟! وهذا ما يضع كثيراً من علامات الاستفهام والشكوك حول جدية الدولة في التعامل مع هؤلاء المتمردين ومدى استشعارها للخطر الحقيقي الذي يشكلونه ليس على اليمن وحدها بل وعلى المنطقة برمتها, خصوصاً بعد الاتهامات الموجهة للسلطة الرسمية وللمؤسسة العسكرية بالتواطؤ مع جماعة الحوثي وتسليمها المحافظات الواحدة تلو الأخرى وهذا ما لم يعد يخفى على أحد, فخيوط المؤامرة التي بدأت تتكشف شيئاً فشيئاً أظهرت جليا حجم التورط الرسمي في تلك المؤامرة والتواطؤ الحزبي حيالها حين نأت الأحزاب السياسية بنفسها عن المشهد واكتفت بالبيانات الخجولة والدبلوماسية التي لا ترقى إلى مستوى المسئولية والخطر المحدق بالبلد. فالمخطط الإيراني الذي يُنفذ بأدوات محلية وقد تكون خارجية أيضاً يسعى إلى الزج باليمن في دائرة الصراعات العمياء وتقويض مشروع دولته المدنية بما يخدم أطماع إيران أولاً في أن يكون لها اليد الطولى في القرار السياسي اليمني عبر وكلائها الحصريين في اليمن, بالإضافة إلى أن هناك أطرافاً أخرى ترى في استقرار اليمن ونماءه مصدر قلق لا ينفك عنها ومنها من أراد بهذا المخطط القضاء على خصومها السياسيين وتصفيتهم ونعني بهذا الطرف بقايا النظام السابق وعلى رأسه المخلوع صالح الذي وضع يده بيد الحوثي من أجل الانتقام من أعدائه التقليدين وتصفية مستقبلهم السياسي ممثلاً بحزب التجمع اليمني للإصلاح وبقية الأحزاب المشاركة في الثورة الشبابية التي أزاحت صالح عن كرسي الحكم.
وعلى هذا فهم اليوم يسعون إلى فرض تواجدهم على الأرض من خلال السيطرة على أكبر مساحة جغرافية ممكنة بحيث تتمكن من الإمساك بزمام القرار وفرض نفسها كسلطة الأمر الواقع التي اعتمدت نفسها بديلا عن الدولة والجيش وهو للأسف ما بدأ البعض يُسلم بهذا الواقع الذي وضع مستقبل البلد على المحك وأخل ببنود اتفاقية السلم والشراكة التي تتنافى جملة وتفصيلا مع تحركات الحوثي على الأرض واستمراره في سياسته التوسعية بقوة السلاح.
وحين قرر أبناء محافظات" إب وذمار والحديدة والبيضاء" الدفاع عن محافظاتهم التي اُجتيحت على أيدي مسلحي الحوثي وغابت عنها الدولة أراد الحوثي أن يقدم صورة مغلوطة عن حقيقة الواقع وإيهام العالم أن المواجهات الدائرة هي فقط بينه وبين تنظيم القاعدة الذي يختلف معه إيديولوجياً واختزال المسألة على هذا الأساس الذي يفتقر إلى الصحة.
وكما هو واضح فإن جماعة الحوثي تسعى بكل إمكاناتها لعرقلة تشكيل الحكومة القادمة التي تمر ولادتها بمخاض عسير نتيجة للضغوط المتواصلة التي يمارسها الحوثي من وراء الكواليس السياسية في أن يكون لهم النصيب الأكبر من الوزارات السيادية فطموحها يتعدى الست الوزارات إلى ما هو أبعد من ذلك وهو التحكم بمفاصل القرار السياسي دون أن تتصدر الواجهة وتتحمل أي مسئولية تكون فيها خاضعة للمساءلة.
وبرأيي فإن التمرد الحوثي لن ينتهي قبل أن يكمل تنفيذ السيناريو الإيراني الذي رسم لليمن كما رسم للبنان والعراق من قبلها , ولذلك فالحل أولاً وأخيراً هو بيد الشعب اليمني نفسه وهو الوحيد القادر على تقرير مصيره, أما الارتهان للخارج لن يكون ثمنه إلى الخذلان, وإن كان المجتمع الدولي صادقاً في دعمه لنهضة اليمن واستقراره فهو مطالب باتخاذ الإجراءات العاجلة والصارمة تجاه المعرقلين للعملية الانتقالية وعدم الاكتفاء فقط بتحديد الأسماء والتلويح بالعقوبات.
آفاق الحاج
الحوثي.. وفرض سلطة الأمر الواقع 1279