ماذا يحدث في اليمن..؟ وأين غابت خصوصية اليمنيين التي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم والتي جمعت بين (الإيمان والحكمة) أمام مايجري اليوم على الساحة اليمنية من فتن وصراعات وحروب تنذر بتقسيم هذا البلد وتفتيت نسيجه الوطني ووحدته الترابية وتحويله إلى كنتونات وتشكيلات قبلية ومذهبية وجهوية متناحرة تفتك ببعضها البعض.
كنا على قناعة بأن الوضع في اليمن سينفجر.. فكل المؤشرات كانت تؤكد على أن هناك أطرافاً داخلية وخارجية ترغب في إشغال اليمنيين بأنفسهم وإشغال الجوار الخليجي بالنار المشتعلة في خاصرته لكن مالم يكن متوقعاً هو انهيار الدولة اليمنية على ذلك النحو المتسارع الذي بدا كحالة سريالية مستعصية على الفهم والتحليل لتتحول هذه الدولة بشكل دراماتيكي من دولة هشة إلى دولة فاشلة ثم إلى دولة رهينة تتخطفها ثلاثية (أنصار الله – الحوثية ) و(أنصار الشريعة – تنظيم القاعدة) و(أنصار الحراك الانفصالي في الجنوب) والتي يتصادم كل منها مع الآخر في الغايات والأهداف لكنها التي تتفق في سعيها إلى تكريس نفوذها عن طريق خلق مزيد من الاضطرابات في هذه الدولة التي تتهاوى كجسد في خريف العمر.
لا يملك اليمنيون اليوم ترف الحديث عن تفاصيل سقوط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر وقبلها محافظة عمران بعد أن استطاعت (جماعة أنصار الله الحوثية) التمدد في خمس محافظات أخرى بحجة محاربة القاعدة والمحافظة على الأمن خاصة والغالبية العظمى منهم يشعرون بأن التبصر بالكارثة المحدقة ببلدهم أهم وأولى من الاستغراق فيما يصفونه ب"التؤاطو" من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي سهلت مثل ذلك الاجتياح وهو مبرر مقنع إذا ما اتصل الأمر بتعقيدات الصراع الذي قد يسحب البلاد نحو حروب طائفية وكارثة إنسانية وأخلاقية لن تستطيع الخروج منها.
أعلم تماماً أن هناك من يرفض (نظرية المؤامرة) وأن هناك أيضاً من يرفض الإقرار بأن اليمن يتعرض لمؤامرة خارجية متعددة الأهداف ومع ذلك فإن الحقيقة المؤلمة أن ما تشهده اليمن من انهيارات كبيرة لا يمكن أن يكون نتاج فعل داخلي أو يقف خلفه فصيل أو جهة محلية دون أن يكون هذا الفصيل أو تلك الجهة على ارتباط بتلك المؤامرة التي تسعى إلى إعادة رسم خريطة التوازنات في اليمن والمنطقة عن طريق استثمار القوة الصاعدة لحركة (أنصار الله الحوثية) في تحجيم حزب الإصلاح الإسلامي وكذا تنظيم القاعدة الذي تتمركز عناصر مهمة من قياداته ومقاتليه في بعض المناطق اليمنية وهذا السيناريو وإن بدا مريحاً لبعض العواصم الغربية التى يقلقها الحضور الطاغي لعناصر القاعدة في هذا البلد فإنه بالنسبة لليمن خيار مدمر فاستخدام العوامل الطائفية والمذهبية في هذه الحرب هو من قد يفضي إلى حرب أهلية نجد بعض تجلياتها قد برزت ولاحت في الأفق من خلال تلك الاصطفافات القبلية والعقائدية التي بدأت تتشكل في بعض المحافظات السنية.
أخطر مافي هذا السيناريو أنه الذي يؤسس لحروب مفتوحة تمنح لكل جماعة مبررات نظرية لنشر العنف وتعميمه على خلفيات طائفية ومذهبية على غرار مايحدث اليوم في العراق الذي يتعرض لأبشع صنوف التدمير لتاريخه ولحمته المجتمعية.. ومن ثم فما توصل إليه اليمنيون في اتفاق السلم والشراكة كفيل بتجنيب اليمن مخاطر ذلك السيناريو إذا ماطبق بشكل صحيح وتصرف الجميع على أساس أن الأزمة الأخيرة ستنتهي فعلاً بغالب ومغلوب الغالب هو اليمن والمغلوب هي الفتنة الطائفية أو المذهبية.
الرياض السعودية
علي ناجي الرعوي
كارثة طأفنة الصراع في اليمن!! 1811