تجد العقلية الصهيونية والأمريكية أدنى صعوبة في أن تلعب فينا وبنا كعرب لعبة الدومينو الشهيرة، تلهينا في وعود إعمار غزة، وتذهب لالتهام ما تبقى من القدس وافتراس المسجد الأقصى.
تدمّر غزة ثم تدعو العرب لدفع الفاتورة، فيهرولون للمشاركة في مهرجانات الكلام عن الإعمار، ويتسابقون في مزاد سداد التكاليف، وهي هنا تتجاوز كونها تعويض غزة إلى مكافأة المعتدي الإسرائيلي.
غير أن ما يثير الدهشة أكثر أنه في ظل ارتفاع أمواج المكلمة العربية عن تفاصيل مشروع إعادة الإعمار، وانطفاء جذوة الاحتفاء بمشروع المقاومة، تستدير إسرائيل لتسريع وتيرة تهويد القدس وابتلاع مقدساتها.
ولم لا تفعل آلة الاحتلال الصهيوني ذلك، وهي تجد حكامًا عربًا يرددون مقولاتها في بلاهة منقطعة النظير عن دول فلسطينية عاصمتها القدس "الشرقية" مُسقطين من لائحة الحقوق العربية حلم "القدس الموحدة".
إن ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة هذه الأيام يكشف بجلاء أن الفكر الصهيوني ينطق بأن تعمير غزة ينبغي أن يقابله تهويد القدس، وليس أفضل للاحتلال من هذه اللحظة التي تصعد فيها إلى سدة الحكم أنظمة عربية تعتبرها الدوائر الإسرائيلية أكثر من حليفة لها.
وإلى جانب حكام جدد يصادقون إسرائيل ويعادون المقاومة الفلسطينية، هناك جيش من رجال الأعمال والإعلام لا يشعرون بأي وخز وهم يتبنون المنطق الصهيوني في التعامل مع قضية فلسطين.
وأذكر أنه في منتصف يونيو/حزيران 2010 انطلقت دعوات تبناها رجال أعمال عرب ومصريون لشراء المقدسات الفلسطينية -المقدسات وليس العقارات العادية- كما عبر عن ذلك صراحة نجيب ساويرس صديق محمد دحلان، وأحد ممولي انقلاب الثلاثين من يونيو في مصر.
ساويرس قال في حوار على فضائيته الخاصة نصاً "عرضت اقتراحاً، وهو أننا كرجال أعمال علينا أن نشتري هذه المقدسات حتى لا يقترب منها الإسرائيليون، وقلت لهم سأبدأ بشراء المقدسات الإسلامية، حتى لا يقولوا إنني مسيحي وذهبت لأشتري المقدسات المسيحية".
كانت الدعوة أشبه بفخ منصوب بدقة فائقة، خصوصاً في ظل ما عُرف عن رجال أعمال ما بعد أوسلو عن عدم ممانعة -بل يمكنك القول الحشد- للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والتبشير بنظرية قدس شرقية وأخرى غربية، وصولاً إلى تذويب مبدأ وحلم القدس الموحدة عاصمةً للدولة الفلسطينية.
وقد فنّدت دعوة ساويرس في مقال منشور بصحيفة "الشروق" آنذاك، قلت فيه إن هذا الطرح عسير الهضم من عدة وجوه، ناهيك عن أنه غير واضح المعالم، ولا بد أن ساويرس يعلم جيداً أن المقدسات ليست سلعة تباع وتشترى، فضلا عن أنه لم يخبرنا على من سيعرض الشراء، ولمن سيدفع الثمن، لإسرائيل أم للفلسطينيين، أم للأمم المتحدة؟
كان من الممكن أن يكون طرح ساويرس مقبولاً ومعقولاً، لو أنه تحدث عن مشروع يتبناه رجال أعمال عرب لتمويل الفلسطينيين المقدسيين بما يلزم لكي يشتروا هم أراضي وعقارات في الأراضي المقدسة، وفي هذه الحالة كنا سنصفق له، ونرفع له القبعة على هذه المبادرة لتثبيت عرب فلسطين وتمكينهم من أراضيهم.
وأذكر أن فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي كان قد أطلق دعوة منذ سنوات لأصحاب رؤوس الأموال العربية لشراء الأراضي والعقارات في الأماكن المقدسة، على أن يكون الشراء من خلال عرب فلسطين المرابطين ممن يعضّون على أرض فلسطين وترابها بالنواجذ، ويقاومون كل محاولات الاقتلاع والانتزاع، ويتصدّون بصدورهم العارية لمخططات التهويد.
وائل قنديل
تهويد الأقصى ثمنٌ لإعمار غزة؟ 1319