أمور مصيرية وحاسمة على كل جنوبي وجنوبية أحرار أن يضعوها في حساباتهم للمرحلة القادمة بكل خطورتها, لكن قبل هذا أريد أن أضع ملاحظات حول مشاهداتي لساحة اعتصام المطالبين بانفصال الجنوب بخور مكسر:
أولاً: الساعة الـ٨ والنصف من صباح أول يوم اعتصام في ١٥ أكتوبر خرجت مسيرة من ساحة العروض مكونة من(٩٠) فرداً تقريبا رافعة أعلام جنوب اليمن قبل الوحدة وتنادي بالانفصال.
ثانياً: حين مررت على ساحة الاعتصام نفسها الحقيقة اندهشت.. لأني توقعت أن اجد حسب الضجة الإعلامية الكبيرة التي سمعتها، والدعاية الهائلة عن رغبة غالبية اليمنيين الجنوبيين العارمة بالانفصال, لكني استغربت كثيراً، حين وجدت في الساحة المشهورة أعداداً ضئيلة جدا من المعتصمين.. أعدادهم مقدرة بـ٥٠٠ شخص على الأكثر.. عدد الخيام لم تتجاوز الـ٢٠ خيمة, وقد كنت أتوقع أن نجد اقل شيء مائة ألف معتصم للمطالبة بالانفصال، لكني تفاجأت بالصراحة من قلة الناس, مع أن ساحة العروض نفسها لمن يعرفها هي ساحة أساساً صغيرة ومحدودة، ليست بضخامة وحجم ساحة وميدان شارع الستين بصنعاء مثلا الذي شاهدنا في كل فعالية ثورية وطنية كيف يمتلئ عن بكرة أبيه بقرابة الـ٢مليون متظاهر ومعتصم أثناء الثورة الشبابية السلمية المباركة.. بينما ساحة العروض بخور مكسر الصغيرة المحدودة الحجم لوحظ أنها فارغة من الكثافة البشرية في معظم أرجائها لم تصل لحد الامتلاء فيها إلا فقط يوم الاحتفال نفسه في الثلاثاء الماضي بذكرى الثورة العظيمة يوم الرابع عشر من أكتوبر المجيد..
طبعاً نسبة٧٥% تقريبا من هؤلاء المعتصمين ـ وانا أحاول أن أكون دقيقة في وصفي وأرقامي ـ مظهرهم يدل انهم جاءوا من سفر وإرهاق يعني ليسوا من أبناء عدن نفسها بل أتوا من أبناء المحافظات الطيبين المجاورة الأخرى.
ثالثاً: تأكد لي من أعداد المعتصمين المحدودة للغاية بعكس ما هو متوقع أن هذا يثبت ويدل على عزوف أبناء عدن والجنوب بشكل عام عن المشاركة العامة الفعالة.. رغم أن عدن هي اكبر المحافظات الجنوبية واهمها على الأطلاق من حيث (الأهمية) ومن حيث نسبة (الوعي والثقافة والعلم)بين أبنائها ومن حيث طبعا عدد (السكان).
رابعاً: من جلوسي ونقاشاتي مع كثير من أبناء مدينتي عدن استخلصت أمراً هاماً، هو: هناك عزوف لغالبية الجنوبيين عن المشاركة الفعالة والقوية في تلك الاعتصامات، وهذا ناتج عن أسباب هامة وموضوعية ومصيرية تتمثل في: خوف وقلق الجنوبيين عامة، ليس من الانفصال بحد ذاته، واسترجاع الدولة الجنوبية، بل مما وراء الانفصال!.. وما هو القادم المجهول الذي سيدخل فيه الشعب اليمني في الجنوب, والقلق الأهم على الأطلاق لدى معظم الجنوبيين هو أن الانفصال- إنْ حدث وتم الآن- فانه سيحصل في ظروف استثنائية غامضة ومرحلة خطيرة تمر بها اليمن عموما, واهم سبب كذلك لقلق وخوف غالبية الجنوبيين من الانفصال الآن هو: عدم وجود رؤية وتوحد الآن في صفوف الجنوبيين انفسهم!,, حيث لا توجد إلى الآن قيادة وطنية حرة كفؤة شريفة قوية يجتمع عليها كل أبناء الجنوب!.. لا توجد بالمرة.. فكيانات الحراك والقوى الجنوبية عامة مشتتة ومفتتة وممزقة بينها البين.. فلمن ستسلم السلطة اذا تم الانفصال؟.. لمن..؟.. سؤال جوهري وحساس من يجرؤ على الإجابة عليه الآن..
خوفنا وقلقنا أن يتم فصل الجنوب الآن والمشهد الجنوبي نفسه غير موحد ومرتبك ومتشظٍ والمشهد خاضع لسيطرة وتحكم الخارج بشكل كامل!.. بل حتى لا توجد رؤية وبرامج لمن ينادون بالانفصال انفسهم، ولا حتى خطط واضحة ومتقبلة من جميع المكونات والقوى والأحزاب في الجنوب لمرحلة ما بعد الانفصال!؟.. امر هام وخطير.. يجب على الجنوبيين وضع معالجات عاجلة لها من هذه اللحظة, حتى لا تفلت الأمور من أيدي المخلصين الخيريين الذي ولاؤهم خالص لله والوطن، عليهم أن يحذروا ولا يسمحوا للمتسلقين الموالين للخارج أن يستحوذوا على المشهد كله الآن، وما بعد الانفصال إن تم..
المشاركة عموماً في احتفالية الثلاثاء بذكرى الـ ١٤ أكتوبر كانت احتفالية كبرى شارك فيها كل الناس الوطنيين من كل مكان؛ الاحتفال بحد ذاته إحياء للذكرى الغالية على كل يمني.. فاحتفلت الناس كلها بالمناسبة المجيدة.. أما حين تقرر بدء اعتصام مفتوح للمطالبين بالانفصال.. فالملاحظ أن الناس انفضت في معظمها ولم تشارك بنفس الفعالية والقوة التي ظهرت في الاحتفال, فطوال اليوم الأول والثاني لوحظ خلو الساحة من الأعداد طوال النهار والليل ويتواجدوا بكثرة معقولة، فقط في وقت الظهيرة حيث تأتي سيارات كثيرة محملة بوجبات غذاء فاخرة و قات، يتم توزيعها على الموجودين في الساحة لحثهم على البقاء والاستمرار، ومع هذا اكثر المتواجدين ما أن يتناولون الغذاء ويأخذوا القات حتى ينفض معظمهم ويغادروا المكان، هذا الكلام بخصوص الغذاء والقات بالتحديد، لم أراه بنفسي بحكم عدم تواجدي بالساحة في تلك الساعة من الظهيرة، ولكن انقله عن والدي بنفسه الذي اختلف معه في المنهج السياسي تماما، وهذا فخر لعائلتنا التي تسمح بحرية الرأي والاختلاف فيما داخل بيتنا وأسرتنا البسيطة، فوالدي حفظه الله من انصار ومحبي الحزب الاشتراكي ومؤيد للانفصال في الحقيقة، وانا احترم رأيه وخياره حتى وان كنت أخالفه هذا الرأي، والدي حضر بنفسه فعالية الاحتفال الكبيرة الثلاثاء الماضي، وحضر الاعتصام بنفسه ولم يشارك فيه إلا فترة بسيطة جدا بحكم مرضه، قال لي بعد رجوعه من الساحة: تأتي سيارات كثيرة محملة بوجبات الغذاء الفاخر الجاهز المعلب وليس غذاء مطبوخ من سكان الحارات المجاورة للساحة مثلا، وتأتي أيضاً بالقات توزعه علينا، لا نعلم من أين، ومن الذي يمولها.. وجبة الغذاء عبارة عن وجبات غذاء سفري جاهزة مكون من صحن بلاستيك مغلف مليء بالأرز+ صحن آخر فيه بروست ربع حبة دجاج + سحاوق شتني ومايونيز، هذا كلام والدي وشهادته عن الغذاء والقات الذي يصلهم.
طبعاً هذه كانت ابرز الملاحظات والمشاهدات عن اعتصام ساحة العروض بخور مكسر بعدن الحبيبة.. نقلتها بكل صدق ووضوح.. من باب نقل الحقيقة والمعلومة ليعرفها كل الناس.
هنا أود أن أخاطب اهلج وإخوتي اليمنيين من أبناء الجنوب الأحرار: أضع أمامكم هذه التساؤلات والأمور التي تستحق التفكير منا نحن الجنوبيين الآن وليس غداً: هل اذا حصل الانفصال الذي يقولون انه بإرادة غالبية شعب الجنوب.. سؤال يطرح نفسه بقوة: هل سيحترم الخارج ومجلس الأمن الراعي الرسمي لتقسيم اليمن الآن, هل سيحترمون إرادة شعب الجنوب وسيسمحون له بإجراء انتخابات حرة نزيهة ليختار الجنوبيون من يحكمهم بأنفسهم بكل حرية وشفافية تلبية لرغبة الشعب في الحرية والتحرر من أنظمة الاستبداد التي توالت على اليمن جنوبه وشماله؟.. هل سيسمح للجنوبيين باختيار نظام الحكم الذي سيحكمهم أم ستفرض علينا وجوه قديمة فاشلة مرتهنة للخارج أم ستفرض علينا أسماء أخرى لا يرتضيها أو يثق بكفاءتها ووطنيتها الجنوبيون.. أسماء وشخصيات سيختارها الخارج والدول الكبرى.. التي نعلم من كل تجاربنا كأمة عربية ومسلمة معهم انهم لا يريدون إلا مصلحتهم على حساب كل مصلحتنا وحقوقنا كأمة عربية.. سؤال مصيري وخطير يجب على الجنوبيين أن يفكروا فيه من الآن ويناضلوا لفرضه على الأرض اذا ما تم وحدث الانفصال ..حتى لا يكونوا خرجوا من نظام حكم (استبدادي عفاشي مرهون بيد قوى إقليمية وخارجية.. ليدخلوا في نظام (استبدادي آخر) يدخلهم في حسابات ومصالح خارجية وطامعة بمنطقتنا العربية حد التوحش.. نخشى من أن نبتلى نحن الجنوبيون بنظام حكم (فاشل) و(مستبد) آخر يراعي ويقبل (تدخلات) و(مصالح الخارج) ويضيع مصالحنا نحن الشعب في الجنوب.. ستكون (صدمة) كبيرة للجنوبيين لا قدر الله!.. فمن يجرؤ على طرح هذه الأسئلة الآن والاهم هو: من يجرؤ على الإجابة عنها أو مناقشتها أساساً.
كل هذه الأمور.. علينا كجنوبيين أن نضعها في بالنا منذ اللحظة حتى نوفر على انفسنا نزيف دماء ومشاكل هائلة قادمة الآن.. الآن علينا أن نضع هذه الأسئلة ونفرضها على (المتسلقين) في المشهد الانفصالي الحالي الطامعين للوصول للسلطة وحكم الجنوب.. يجب أن يجيبونا على هذه الأسئلة ويضعوا ضمانات وبرامج ورؤية واضحة للشعب،،ليس الأمر لعبة أو تسلية؛ الأمر مصير وحياة شعب تعب من الفساد و الاستبداد والفشل من عفاش ونظامه القمعي الفاسد حتى النخاع، لا نريد فاشلين آخرين ومستبدين آخرين .. هناك(قوى وكيانات) جنوبية صغيرة تقحم نفسها في الواجهة كممثل وحيد للجنوب وشعبه, سعياً منها للوصول لرأس السلطة والحكم باي طريقة رغم أنها عملياً ليس لها برنامج ورؤية واضحة أو إجماع.. ومصدر وجودها وقوتها الوحيد هو دعم وتأييد مجلس الأمن والدول الكبرى لها لفرضها على الشعب في الجنوب وتسليمها زمام الحكم لأنها ستضمن للخارج مصالحه ورغباته وهذا مع مرور الوقت سيجعل من اليمنيين في الجنوب مسلوبي الإرادة وقرارهم السيادي لن يكون بيدهم بل بيد الخارج وهو نفس ما هو حاصل الآن لليمنيين في الشمال.. فهل سيقبل اليمنيون في الجنوب بحكام وقيادات وشخصيات تفرض عليهم من الخارج.. هل اذا ما تم الانفصال الآن سيعود النظام الشمولي وحكم الفرد والحزب الواحد والرأي الواحد ليستولي على السلطة في الجنوب كما كان قبل الوحدة؟..
كيف سيكون شكل نظام الحكم أصلاً؛ هل ستكون هناك دولة مؤسسات قوية وحريات وحقوق إنسان وتعددية حزبية وسياسية ونظام ديمقراطي حر وسليم وتداول سلمي للسلطة؟ ,هل سيسمح لنا الخارج والدول الكبرى المستبدة بهذا؟.. ونحن رأينا كيف فعلت بالشعب المصري حين اختار أول رئيس مدني منتخب في تاريخه.. وكيف تآمر عليها الخارج وأسقطه وأعاد حكم العسكر الدموي ليحكم مصر.
هل سيقبل الجنوبيون الأحرار بحرمانهم من انتخابات حرة نزيهة يختارون بها قرارهم ويرسمون بها مستقبلهم ودولتهم التي يحلمون بها؟..
لينا صالح
مشاهد من ساحة اعتصام عدن 1734