الجريمة التي حدثت صباح يوم أمس الخميس بتفجير تجمع مظاهرة جماهيرية كان ينظمها الحوثيون (أنصار الله) في ميدان التحرير هي جريمة مدانة بكل المقاييس وفي كل الأعراف ولأديان والقوانين. ومثلها كل الجرائم التي رافقتها وسبقتها في حضرموت والبيضاء وكل ربوع اليمن.
لكن ونحن نوجه إدانتنا واستنكارنا إلى الجرائم التي ترتكبها القاعدة في اليمن علينا أن لا ننسى توجيه الإدانة والاستنكار لكل من يقدم مبررات لتلك الجرائم ويسعى لإشعالها وتحويلها لحرب أهلية طائفية لا تبقى ولا تذر.
فبالأمس ذهلت لحجم التحريض الذي مارسه بعض المنتمين لأنصار الله أو المتعاطفين معهم ضد منافسيهم السياسيين ومنتقديهم من الإعلاميين والناشطين.. لقد أرادوا استغلال الحادثة الإجرامية وقذارة الإرهاب كما ورد في منشور للصحفي نائف حسان لاستثمار دماء الشهداء، وهو ما شاركت في إدانته الناشطة الحقوقية والسياسية أروى عثمان.
ولعل ذلك هو ما جعل الناشط (الحقوقي والسياسي والصحفي) عبدالكريم الخيواني يصب جام غضبه ولعناته على كل المنتقدين لأنصار الله ولجانهم الشعبية (مليشياتهم المسلحة) ويصفهم في منشور له ب"الحاقدين، الكاذبين، المدعيين، العنصريين، المحرضين، شركاء المجرمين"!
بل ووصل به الأمر في منشور آخر أن يقول وبالحرف الواحد "على اللجان الشعبية ان تتصرف لملاحقة عناصر الإجرام الى جحورهم في منازل ومقار ومساجد وجمعيات الإجرام التي خصصت لهذا الغرض وكدست فيها الأسلحة والمتفجرات لهذا الغرض ،، لا تبالوا بعد اليوم بولولة المولولين"!
وطبعاً هو لا يقصد القاعدة هنا وأنصار الشريعة لأننا لا نعلم لهم لا بيوت في صنعاء ولا مساجد ولا جمعيات ولا مقار، ما يعني أنه يقصد خصوم سياسيين لأنصار الله، قد يكونوا حسب تعليق للصحفي عبدالملك شمسان: السلفيين أو الإصلاحيين أو المؤتمريين.
بالله عليكم أيها العقلاء في أنصار الله قبل غيرهم قولوا لنا بماذا تفرق هذه الدعوة للتنكيل بالخصوم السياسيين التي أطلقها الخيواني عن دعوات وأفعال ناصر الوحيشي ورفاقه في تنظيم القاعدة؟ وألا تعتقدون أنكم بذلك تقدمون التبريرات لكل أفعال القاعدة وتشرعنون لأفعالها أمام عامة الناس؟!.
نحن اخترنا منشورات الخيواني كمثال هنا ليس لأنها كانت الأكثر شطحاً – فهناك ما هو أشد وأنكى منها – ولكن للمكانة المرموقة التي كنا نضعها لصاحبها كمناضل حقوقي في عهد النظام السابق والحالي، وتكاد لا تخلوا من وجوده مظاهرة من المظاهرات التي كانت تخرج - قبل اكتساح مليشيات الحوثي للعاصمة صنعاء – رافضة لعسكرة العاصمة ومدن الدولة المدنية.
وذلك ما يجعل الأستاذة أروى عثمان تذكر الخيواني ومعه آخرون مثل السياسي محمد المقالح والقاضي أحمد سيف حاشد وتنشر لهم صورهم القديمة بعد أن سكتوا سكوت الأموات تجاه المظاهر المسلحة التي تشهدها العاصمة رغم رفضهم السابق لها، ما يعني أنهم كانوا يعارضون جهات وتيارات معينة وليس سياسات وسلوكيات خاطئة يفترض أن ننقدها بغض النظر عن الجهة الفاعلة.
وأنا أضم صوتي هنا للأصوات التي تقول إن تفجير التحرير بالأمس إنما يعد من ضمن الخيارات الاحتياطية التي أعدها أعداء اليمن لتكون بمثابة بدائل يفجرون بها الحرب الأهلية فيها، خصوصاً بعد أن فشل مخططهم الرئيس المصاحب لاكتساح مليشيات الحوثي المسلحة للعاصمة صنعاء.
فهل يعي الخيواني ومن لف لفه أنهم بدعواتهم تلك إنما يساهمون بتنفيذ المخطط الجهنمي الذي رسمه أعداء اليمن لتفجير حرب طائفية مدمرة ، مازلنا نصر ونؤكد بأن اليمن تظل بعيدة عن الانزلاق إليها في حال حكمنا عقولنا، ولا نوافق على ما يقوله البعض من أن الأوان قد فات لتجاوزها.
*دولة الحوثي:
قلنا في مقالات سابقة بأن أنصار الله قد أصبحوا هم سلطة الأمر الواقع في اليمن، وذلك يفرض عليهم تحمل مسؤوليتهم أمام الله والشعب والتاريخ، بحيث يتعاملون كذلك بدلاً من لعبة الجمع بين مهام الحاكم الأول وزعيم المعارضة التي أشرنا إليها في مقال سابق.
المسؤولية التي نشير إليها هنا نقصد بها أن يتعامل الحوثي كشريك من الشركاء لا يفرض على الآخرين حق امتلاكه للفيتو الذي ينقض به كل قراراتهم، أو فليتحمل إدارة الحكومة منفرداً بحيث يكلف بتشكيل الحكومة برئيسها وجميع وزرائها.
وأنا شخصياً أميل للخيار الأخير، وأدعو كل القوى السياسية للتسليم به، بشرط أن يحكم الحوثي بأدوات الدولة القائمة (المدنية والعسكرية والأمنية والقضائية) مع تطوير أداءها، لا أن يؤسس لدولة داخل الدولة ومؤسسات داخل المؤسسات كما هي بوادر استخدام اللجان الشعبية ودواوين المظالم.
نقول ذلك، خصوصاً بعد أن كشفت لنا حادثة التحرير يوم أمس زيف ذلك الوهم، فالحوثي رغم سيطرة مليشياته على كل منافذ العاصمة ومؤسساتها وشوارعها خرج يسأل باستغراب عن وزارة الداخلية وكيف سمحت بدخول حزاماً ناسفاً إلى التحرير!
تصوروا جماعة أدخلت للعاصمة كل أنواع الأسلحة بما فيها الدبابات ومع ذلك خرجت تتساءل كيف دخل الحزام الناسف إلى صنعاء! وفوق ذلك تريد أن تفتش غرف نوم منافسيها وبيوتهم ومساجدهم وجمعياتهم ومقارهم بحثاً عن المسدسات والبنادق الشخصية كما طالب الخيواني، وكأنها قد نصبت من نفسها المالك الحصري الوحيد لكل أنواع الأسلحة في اليمن!
وذلك يجعلنا نختتم بتساؤل نضعه للتفكير أمام عقلاء أنصار الله: هل يعقل أنكم كلما حدث حادث ضدكم في العاصمة وبقية المحافظات ستخرجون لنهب بيوت منافسيكم والسيطرة على مساجدهم وجمعياتهم ومقارهم وتستبيحون حرماتها بذريعة البحث عن السلاح؟!
طبعاً ذلك إن لم تكونوا قد نويتم أن تجعلوا من هذه الطريقة وسيلة جديدة للتبضع كلما نفدت منكم المؤون! فذلك شيء آخر، ويحتاج إلى وقفات من كل المهتمين بشؤون هذا البلد!.
د. عبدالله أبو الغيث
ندين الإرهاب ونرفض المتاجرة به 1334