الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن والتي بدت للعالم أجمع كدراما وعمل مسرحي يقتحم الواقع السياسي العملي في اليمن.. ومما خلفته تلك الأحداث التي تبدوا كمبتورة لم تكتمل بعض مشاهدها التي تمكن من معرفة يقينية بحقيقتها ونهايتها, غير أن ما خلفته عمليا هو: واقع ظاهره الشراكة بحبر على ورق وحقيقته استبدال مراكز النفوذ الشخصية والقبلية بمراكز نفوذ طائفية ومناطقية أشد وطأة ونذير بتمزيق اليمن إلى دويلات.
فالواقع اليمني اليوم ليس عقد الشراكة الصوري بل هو: واقع الثأر بين مراكز القوى ومحبي التسلط, وذات الظاهرة تسيطر على الأحزاب السياسية والكيانات المُختلفة.. كون الأحداث الأخيرة التي فرضت لُغة القوة وامتلائها بمشاهد الثأر والانتقام لما حدث في 2011م,هذه اللغة الانتقامية كانت بمثابة تأصيل وتعميق للثأر بين الأطراف السياسية والكيانات المُختلفة, وأن لم يكن الثأر فوري ومباشر فلكل خططه في الشر وفي الانتقام من هذا الشعب.
المهم أن نتيجة الأحداث التي شهدتها اليمن متوجة بسقوط صنعاء هما نتيجتان هامتان: التأصيل لظاهرة الثأر السياسي, وخلطه بالمذهبي, فيما النتيجة الثانية هي: استبدال مراكز النفوذ الشخصي والقبلي الخفية والتي تستحي من إبراز نفوذها والمجاهرة به على الملأ ـ بمراكز نفوذ ذات طابع عقائدي طائفي, ومناطقي تحمل السلاح ولا تجيد سوى الفوضى ولُغة العُنف, والتي يغيب معها تأثير المراكز التي تمثل أحزاباً سياسية ولا تحمل القوة.
ومن طبيعة وشكل وعُمق وعُقدة النتائج الجديدة التي أفرزتها أحداث إسقاط العاصمة تكمن الخطورة التي تكاد تكون حُكماً مسبقا له جذوره وشواهده التي تؤكد صحته وصدقه.. ومفاد هذا الحُكم: أن اليمن مُعدة لتمزيق مخطط له كون المركز الأول من مراكز النفوذ الجديدة طابعه: بأنه ذو توجه ديني طائفي مُعتقده بأنه صاحب الحق في الولاية والحُكم كحق إلهي ـ كما يعتقد ـ وأن استعادة ذلك الحق المسلوب واجب ديني ووطني سعى لتحقيق ذلك المُعتقد منذ سنوات وباستخدام القوة والجنون قبل كل الأدوات,ـ وشاهد الجميع ذلك ـ وسيتضح ما تبقى من السعي الجنوني من خلال تعاطيه مع القرارات السياسية المختلفة خلال الأيام القادمة.. فيما مركز القوى الثاني والجديد هو: مركز مناطقي مُعتقده وغايته وولاءه لجغرافيا مُحددة يعتقد بأنها مسلوبة وسعي بمختلف الوسائل السلمية والمسلحة لاستعادة الجغرافيا المسلوبة بنظره ومعتقده...,وبعد تحوله إلى أحد مراكز النفوذ والإشراف على القرار فستكون كل مساعيه وإملاءاته تصب في سبيل استعادة الحق الجغرافي المسلوب بنظره.
ومن الشواهد الواقعية التي تؤكد بأن اليمن مُعدة للتمزق والتشرذم كنتيجة طبيعية لتحول الحوثيين والحراك إلى مراكز قوى تشرف على القرار السياسي وتستشار فيه هو طبيعة هذين الكيانين وأساليب تعاملهما مع ما هو إيجابي ووطني بالاستغلال والقفز على الواقع لتحقيق الطموحات أو المتقدات الدينية أو الطائفية أو المناطقية فقط.. ويتضح ذلك بجلاء من خلال المقارنة البسيطة بين أداء كلاهما قبل 2011م وأدائهما بعد 2011م..حيث كان واقعهما قبل 2011م يتمثل في حشرهما في منطقة جغرافية محددة ويتم التعامل معهما كمتمردين يعيقون الدولة والنظام عن المسيرة الطبيعية, وبعد 2011م وبعد أن سعت الدماء الجديدة والقوى المعتدلة لتغيير واقع الطرفين والقبول بهما في مؤتمر الحوار الوطني وجعل قضيتي الجنوب وصعده هما جوهر الحوار الوطني وقضاياه الرئيسة, وفي مساع غلب عليها الطابع الوطني العاطفي لا الحق أو الواجب القانوني الفعلي تم الاعتذار لصعده والجنوب, وتوجيه ما وصل من معونات الدول المانحة كتعويضات لأبناء المحافظات الجنوبية وصعده شملت علاوة على المتضررين الفعليين آخرين لم يصبهم أي ضرر, وكذا تمت إعادة من تم تسريحهم من الخدمة قسرياً من عسكريين وضباط بل تمت إعادة من فروا بمحض إرادتهم ووضعوا قضيتهم كعائق ..المهم حصل كل ذلك التعاطي وكل التعويضات على غلبة الاستغلالي منها على الفعلي تم كل ذلك بدافع وطني محشو بالمشاعر لا بعمل العقل والقانون من قبل حكومة الوفاق الوطني ,وكانت الغاية من ذلك مع ثقله وإنهاكه للموازنة العامة واستهلاكه لمعونات الدول المانحة.. والغاية هي الحفاظ على اللحمة الوطنية ووحدة الصف والقبول بالآخر ..ولكن ذلك التعاطي الوطني والتعامل العاطفي من حكومة الوفاق الذي تجاوز الثوابت الوطنية والمحددات القانونية.. قوبل باستغلال الحوثيين والحِراك وتعاملهم مع كل جميل بعكسه تماماً؛ لأنهما يدركان أن لا فرصة لهما أفضل ولا أحسن من الحكومة العاطفية التي فتحت الباب على مصراعيه للعاطفة الوطنية, وكانت نتائج ذلك الخطأ العاطفي كارثية تمثلت في: توسع المتمردين قبل2011م بحُجة إنهما مظلومين حسب حكومة ما بعد 2011م,توسع وفتك وسطو بلغ حد استسقاط المُحافظات والعاصمة, وفرض كياناتهما كمراكز نفوذ جديدة على القرار السياسي, هذا التسارع في الاستغلال وما صاحبه من فرض كل شيء بقوة السلاح والتهديد بالفوضى والدمار.. يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن اليمن مُقبلة على تمزيق فعلي وحروب فعلية مهما تعقل العُقلاء؛ لأن تعاملات وقرارات وغايات كلا الكيانين لا تراعي وطن ولا مصلحة عامة ولا وطنية وكل ما تسارع لأجله هو ما أسلفنا ذِكره وهو تحقيق معتقد الولاية الديني الطائفي عند الحوثيين, وتحقيق مُعتقد استعادة الجغرافيا المسلوبة عند الحِراكيين.
ماجد البكالي
القرار السياسي..من النفوذ الأصغر إلى النفوذ الأكبر!! 1184