كثيرون مندهشون وكثيرون يتساءلون عما جرى ويجري في اليمن: هل هي موجة جديدة من موجات الربيع العربي؟ أم هو صراع داخلي على السلطة؟ أم مؤامرة خارجية على هذا البلد الذي تحول إلى ساحة مفتوحة ينفذ منها كل من يريد أن ينهش فيه أو يصفي حساباته مع الآخرين على أرضه؟ هي تساؤلات تبدو في ظاهرها بسيطة لكن الإجابة عليها تظل غير سهلة فما ينتظر اليمن على صعد الأمن والاستقرار والتعايش هو اليوم أكثر غموضاً في ضوء الأحداث التي شهدتها العاصمة صنعاء يوم 21 سبتمبر وهي الأحداث التي أفضت إلى انهيار الدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها على نحو لم يتوقعه أحد.
ليس جديداً وليس غريباً أن يتحدث الرئيس عبدربه منصور هادي عن أن ما جرى مؤخراً في اليمن كان بفعل مؤامرة داخلية وخارجية لكن الجديد والغريب هو ذلك السقوط المدوي لمؤسسات الدولة بصرف النظر عن من يجلس على كراسيها بذلك الشكل السريع والمخجل الذي ينزع من السلطة كل مبرر للقول إن ما حدث هو مؤامرة: فالمؤامرة قد تكون موجودة ودوافعها ظاهرة ولكن العيب في من تغافل عن تلك المؤامرة وسمح لها بوصول الأوضاع إلى شفير الهاوية كما أن العيب هو أن يبقى أبناء هذا البلد أسرى مواقفهم وأحقادهم وحساباتهم الضيقة وارتباطاتهم مع هذ الفريق أو ذاك ولا يفعلون شيئاً في انتظار ما سيأتيهم من لعبة الكبار والصغار في الخارج.
في مقال سابق بصحيفة الرياض قلت إن اليمن يسير على خطى النموذج الصومالي وان حالة العنف والفوضى التي وجد هذا البلد نفسه غارقاً فيها منذ عاصفة (الربيع العربي) تشي إلى أن اليمن يتدحرج بقوة نحو الصوملة مع وجود أكثر من جماعة مسلحة قادرة على خلط الأوضاع في وجه الجميع بما في ذلك أجهزة الدولة المهترئة والقوى السياسية التي تتكون من عدة أحزاب تتجاذبها الخلافات والتقاطعات والمناكفات والصراع على السلطة وبأسرع ماكنت أظن فها هي صنعاء تسقط في ساعات معدودة في يد حركة أنصار الله الحوثية كما سقطت العاصمة الصومالية مقديشيو في رابعة من نهار، كما أن ما حدث للجيش اليمني في صنعاء من انهيار يماثل تماماً انهيار الجيش الصومالي أمام بعض المجاميع القبلية قبيل سقوط نظام الرئيس الراحل محمد سياد بري الذي شعر بإهانة كبيرة وهو يرى عاصمة بلاده تسقط بيد حفنة من الحاملين لبندقيات الكلاشنكوف فيما يظهر عاجزاً عن تفسير ذلك الانهيار الدراماتيكي لمؤسسة الجيش التي أنهكتها حروب (الأوغادين) والمواجهات في شمال الصومال.
لقد حدث ماكنا نتوقعه ووقع ماكنا نحذر منه فخروج صنعاء عن سيطرة الدولة وقبلها عمران سحب نفسه على المحافظات الجنوبية حيث أعلنت فصائل في الحراك الجنوبي عن مجالس عسكرية لإسقاط الجنوب على غرار ما قامت به جماعة أنصار الله في شمال الشمال وأكثر من ذلك فإن الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة والتي تتخذ من الجنوب مركزاً لنشاطها هي من وجدت في هذا الفراغ فرصتها للتسلل إلى العاصمة وعدد من المحافظات الشمالية بهدف تصفية حساباتها مع جماعة أنصار الله التي تتقاطع مع توجهاتها الفكرية والمذهبية وهو ما قد ينزلق معه اليمن إلى حرب أهلية طائفية وفتنة كارثية لن تفلح في لجم تغلغلها السريع والفتاك في الأجسام المريضة والمتهالكة كل المضادات الحيوية والعلاجات الموضعية وكذا المراثي البكائية على ضياع الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية والمسمى باليمن.
علي ناجي الرعوي
اليمن ضحية نفسه والآخرين! 1411