الحديث عن اقتصاد السوق يعود إلى ماضي قريب؛ فمع إخفاق استراتيجيات التنمية في العديد من دول الجنوب وهو الإخفاق الذي بدأت أعراضه تتأكد من عقد الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بتدني معدلات النمو المحققة وارتفاع مؤشرات البطالة وتراكم المديونية الخارجية وارتفاع أعباء خدمتها، حيث وصلت في المتوسط إلى نحو 25% من قيمة الصادرات وهنا انشغلت أدبيات التنمية على الصعيد العالمي بجدل حول العديد من المقولات القديمة والجديدة منها الدور الاقتصادي للدولة السوق، آليات السوق، اقتصاد السوق.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي اعتبر الكثير أن ذلك التفكك وانهيار المنظومة الاشتراكية شهادة تاريخ ترقى عن الشك وتسمو عن الشبهات مفادها: نجاح السوق واقتصاده مع فشل الدولة ودورها الاقتصادي.
السوق وآلياته واقتصاده ـ وجد السوق منذ أقدم العصور أي منذ وجد البائع والمشتري فهو المكان الذي يلتقي فيه الطرفان لإنجاز عملية التبادل بواسطة المقايضة أو عن طريق النفود، والسوق مصلح حيادي لا ينحاز إلى أية أيديولوجيا فقد وجد في عصر الإقطاع والرأسمالية ولاحقاً الاشتراكية وستظل طالما وجد بائع ومشتري تقسم الأسواق؛ إما حسب تخصصها مثل أسواق العمل أو الأسواق العالمية. أما مصطلح آليات السوق فقد شاع استخدامه حالياً للدلالة على قوى السوق من عرض وطلب إلا أن هذا الاستخدام الضيق فيه الكثير من التعسف فلكل سوق آلياته أو أدواته التي تحددها طبيعة النظام الاقتصادي عن طريق تأميم المصانع وإقامة مصانع جديدة مملوكة للدولة مع نزع ملكية الأراضي الزراعية في الريف وتحويلها إلى مزارع تعاونية أو مزارع دولة، واليوم الخصخصة بنوعيها خصخصة الملكية أي بيع ملكية الدولة إلى القطاع الخاص أو خصخصة النشاط بما يعني فتح النشاطات الاقتصادية التي كانت محصورة بالقطاع العام للقطاع الخاص والتنافس على اجتناب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع رؤوس الأموال المحلية على النشاط الاقتصادي ومن أبرز آليات السوق هو أن اقتصاد السوق مصطلح أنتجه الواقع أي مصطلح سوقي أكثر مما هو مصطلح مدرس أو أكاديمي أي ليس له مفاهيم نظرية محددة كالإنماء الاقتصادية الأخرى مثل الاقتصاد الطبيعي أو الاقتصاد الكلاسيكي.
يعتبر اقتصاد السوق وتحرير التجارة من أبرز عناوين هذا العصر فنتيجة حرب طويلة استمرت لأكثر من سبعين عاماً بين النظام السياسي والاقتصادي الذي أنتجته ثورة أكتوبر في روسيا والنظام السياسي والاقتصادي الليبرالي في دول الغرب الصناعي هزم نظام وأنتصر آخر؛ إحدى جوائز هذا النصر كانت مطالبة الغرب للجميع في هذا العالم بالانضواء تحت راية نمط اقتصادي "اقتصاد السوق" مع اعتبار المترددين نشازاً والمعارضين غرباء عن العصر أو خارجين عن قوانينه, لكن هل يعني ذلك غياب الدولة عن اقتصاد السوق؟.
د.علي الفقيه
اقتصاد السوق 1287