رائحة الخيانة في أزقة " صنعاء " تزكم الأنوف وتعج في كل مكان ، ولا شيء يبدو واضحاً أو جلياً سوى خيانة زعماء - صنعاء -لها ..
باعوها الأوغاد كالأَمة في سوق الرقيق ولم يكترثوا لفداحة الأمر، لا احد اهتم لتاريخها الضارب في الجذور، ولوجودها الساحر في قلوب اليمنيين.. أي تاريخ هذا الذي نجد فيه صنعاء سبية القتلة وقطاع الطرق .. صنعاء رمز العزة والسيادة والإباء مهانة.. ذليلة منكسرة.. أي زمان هذا الذي وصلنا إليه..
ثلاثة أيام وصنعاء رهن الاختطاف .. قيد السلب والتركيع ، وصنعاء يتسكع فيها الأوغاد.. فتارة ينهبون وأخرى يقتلون ومرة يقتحمون القنوات الفضائية ويأخذون محتوياتها ويرهبون عامليها ويحققون مع صحافيها وينشرون الفزع والذعر في أي مكان يتجهون إليه..
إنهم ملائكة الجحيم ورسل العذاب.. وطوق الخونة.. هم بقايا شيطانية همها العبث بجمال الأماكن وتلويث إرثها الحضاري المدوي صداه في أعماق التاريخ..
صنعاء أيتها القتيلة والذبيحة والسبية.. يا أرملة هولاكو وزوجة الصمت الفاجر .. كيف أذعنت وانكسرت وافترشتي لهم .. كيف عاقرت البغاء واستسغت الخطيئة؟ ..
كم دفعوا ثمنك للأوغاد.. كم باعوك يا نفحة المدائن وأي مزاد ساقط قبل الصفقة..
يتخيل لي الآن ان صنعاء تعج بالخونة وان الباعة الجائلين مخبرين وان باعة " العربيات الخضار " جواسيس وان " الماركات " بؤر استخباراتية وان الأعمدة الكهربائية كاميرات بوليسية وان الأسفلت عداد امني يرصد تحركات العابرين ، وان صباحات صنعاء تفوح بالمكر والمخاتلة ..
اواه يا صنعاء كيف تبدين ذليلة.. أسيرة.. بقايا أنثى مصلوبة على جدران الخوف والمجون.. من مزق انفتك وهتك كبريائك وقضى على شموخك .. من حولوك إلى مدينة أشباح وكنت زهرة المدائن وايقونة التحدي ونبراس الوجود الضاج بالجمال.
الموت يا أصدقائي يتجول في كل مكان بالعاصمة الحزينة صنعاء.. انه بضاعة الغزاة وتجارتهم الرائجة.. انه جزء من وجودهم الممهور بالدم والعنف والغبار والدخان والبارود.. انه شريانهم الوريدي وجسر عبورهم إلى غاياتهم واحلامهم المريضة المهترئة..
متى تستفيقين يا صنعاء من سباتك الطويل وتنفضي من على جبينك غبار التاريخ وتنظفين أدران الأيام الموبوءة.. متى تقذفين بحطام الإفك ومراحيض العصر ومخلفات التاريخ الأسود.. متى تبصقين على فرسان الخيانة وتمرغين وجودهم المسخ بالعار والفضيحة ..
صنعاء وكل ما فيك يحتويني.. شوارعك.. ترابك الطاهر .. ارصفتك .. مآذنك .. منازلك القديمة وشذى التاريخ يعبق في كل الارجاء ... أيعقل هذا؟ أيصدق هذا؟! كيف نسوا أنفسهم وهم يغرزون مديتهم في خاصرتك .. كيف سولت لهم انفسهم اقتراف جريمتك ، والعيش ببحر دماك .. يا قصيدة مجروحة حتى آخر حرف .. يا لحناً مذبوح يئن بالألم .. يا نزيف الوطن ومسرح الدم المراق على فاصلة العمر .. هذا عمرك المغدور يوزع سدى وايامك الجذلى تتمايل وتتساقط ولا احد يشعر بوجعك وجرح الوطن ..
قتلناك جميعاً واسديناك سلعة ليلية رخيصة للأوغاد وقايضناك بحسابات قديمة بشعة.. قدمناك فريسة سهلة للوحوش التي لا ترحم فقتلوا ودمروا وسلبوا ونهبوا واحرقوا وصادروا ولم يتركوا أية جريمة بشعة إلا وفعلوها .. لم يفتهم شيء .. اقتحام ، إذلال .. غرور .. تكبر ، تعالي .. استخدموا كل شيء في قاموسهم المباح بالترهيب والدم والشتات ..
سامحينا خذلناك وخدعناك واسرفنا بالوعود وعند الإيفاء كنا جبناء ومعتوهين .. ارتعشت أيدينا وارتعدت فرائصنا وقدمناك لهم على طبق الذل والخيانة .. نعم كنا كلنا خونة .. خونة ..
