يتكرر السؤال في الشارع اليمني مع تكرار الأزمات وإنتاجها وإشعال الحروب ومع طغيان نزعة الانتقام والثأر السياسي على المشهد السياسي والوضع في اليمن، ليعود ويطرح نفسه من جديد - هل تحاور اليمنيون لأجل الاقتتال أم لتأجيله إلى ما بعد انتهائهم من الحوار؟!. فالواضح من مجريات الأحداث أن القوى والتيارات السياسية المنخرطة في الحوار غير مؤهلة لمساندة الجهود الرئاسية والدولية لتنفيذ مخرجاته وتأسيس الدولة الاتحادية، الأمر الذي يستوجب على الخيرين البحث في هذه الإشكالية لتحديد موضع الاختلال ووضع الحلول الناجعة القادرة على تهيئة المناخ لجعل القوى والتيارات السياسية مؤهلة وقادرة على الانخراط في القادم، فمرحلة الشروع في البناء(بناء الدولة) بحاجة إلى تهيئة الظروف، واليمنيون اليوم بحاجة ماسة إلى الوصول إلى توافق لإحلال السلام الدائم كطوق النجاة، لإنقاذهم من الاستمرار وتكرار الوقوع في فخ الحروب المدمرة.
تؤكد خفايا الصراع والحروب الدائرة في اليمن منذُ ما بعد اختتام الحوار الوطني في 25 يناير 2014م، مروراً بتمددها وتطورها حتى وصلت إلى العاصمة صنعاء مؤخراً.. أنها نتاج واضح لمواقف بعض الأحزاب والتيارات السياسية التي انخرطت في الحوار من مخرجاته، وإن لديها نية مسبقة لرفض تنفيذها على الواقع، وقد يُرجع البعض تلك المواقف إلى عدد من الأسباب والعوامل: بعضها مرتبط بانسحابات عدد من المكونات السياسية المشاركة فيه في اللحظة الأخيرة قبل اختتام جلساته، ورفضها أو تحفظها عن بعض نتائجه، ويأتي في مقدمتها -عدد الأقاليم - تقرير المصير -شكل الدولة - العدالة الانتقالية وغيرها، وأسباب أخرى ترتبط بنظرة بعض التيارات السياسية تجاه تنفيذ مخرجات الحوار على أنهُ يستهدف ضرب مصالحها الخاصة (لا سيما القوى التقليدية) في صنعاء التي لا تزال ترتدي عباءات متعددة (سياسية ومسلحة ومتطرفة ومذهبية) تُظهر عدم نيتها للتعاطي مع مخرجات الحوار، وهي المتسببة في شحن أجواء الحرب وتغذيتها وإشعال فتيلها.
لهذا نستنتج من الصراع المسلح القائم بين جماعة انصار الله (الحوثيين ) وحلفاؤها، وبعض التيارات الأخرى أنها حالة الرفض لنتائج ومخرجات الحوار المؤجلة لديها منذُ اختتامه، وإظهار عدم استعدادها لتنفيذها، والاستقواء بمواقف الدول الإقليمية المساندة لها (ايران)، والمعززة لموقفها الرافض لفرض شروطها التعجيزية للاندماج في القادم بغية التحكم به.
إن طغيان نزعة الثأر السياسي في المشهد الدماري في اليمن، ووجود نزعة الانتقام والثأر بين بعض الأطراف السياسية في صنعاء، التي تعد أحد العوامل الخطرة لإطالة واستمرار الصراع المسلح والاقتتال، وعائقًا أمام تحقيق الحد الأدنى من تطلعات اليمنيين التي توافقوا عليها في مؤتمر الحوار (تنفيذ مخرجات الحوار وبناء الدولة الاتحادية)، لن تؤسس نتائجها لأية أرضية لتهيئة الظروف والمناخ لإنتاج عوامل إيجابية تقود وتوحد جهود كل الأطراف للانخراط الطوعي للمشاركة الفعلية في إنجاح برامج المرحلة الانتقالية القادمة، ومساندة الجهود الدولية المبذولة للحفاظ على التسوية السياسية في اليمن، واستكمال مراحلها، بل أنها ستؤسس لواقع مدمر سيدخل المجتمع اليمني المعروف بتركيبته الاجتماعية والقبلية المتداخلة إلى نفق مظلم، ولن يكون بأحسن حال عما هو حاصل اليوم في سوريا وليبيا.
رغم بعض الهفوات في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار او القصور في بعض نتائجهما بحسب ما تنظر إليهما بعض التيارات السياسية ومنها أنصار الله جماعة (الحوثي)، إلا أنها تُعد من أنسب المرجعيات المتاحة والحائزة على الرضاء والقبول الشعبي، والدعم الإقليمي والدولي لتأسيس أرضية مشتركة، لتبنى أي اتفاقات بين القوى والتيارات السياسية المتصارعة والمتفرجة تؤدي إلى صياغة حلول مستدامة لكافة القضايا والمشكلات اليمنية المتراكمة وإيجاد حل سياسي وسلمي لإحلال السلام الدائم في اليمن.
ينبغي على الساسة اليمنيين مغادرة حالة التمترس خلف الماضي، والتحرر من الارتهان لرغبة الانتقام والثارات السياسية التي تتبناها بعض القوى والتيارات السياسية المتصارعة، والبحث عن المخارج الآمنة لإنهاء عوامل ومسببات إنتاج إعادة تفجر الأزمات المتكررة، والتقاط أية فرص تُمكنهم من الشروع في وضع الحلول الناجعة لها، والاستفادة من اهتمام المجتمع الدولي بوضع اليمن، ودراسة بعض المواقف والتقاط مضامينها كالموقف الذي أبداه السفير الأمريكي بصنعاء ماثيو تولر في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الأربعاء الماضي 17 سبتمبر بصنعاء حول الأحداث في اليمن، حين وصف "بعض المتنافسين المتصارعين داخل الساحة إنهم "يستغلون هذا الوضع لمصالحهم الضيقة دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الوطن العليا". وكذا قوله "وفي هذه المرحلة سيكون الوضع كارثياً إذا ما اتجه الناس نحو العنف بعد أن كان كثير من الناس وضعوا الثقة في المبادرة الخليجية"، ووصفه" أن يلجأ أي طرف إلى العنف لفرض ما يريد فهذا هو الخطر الذي نحذر منه فيما يتعلق بحركة أنصار الله"، وكذا تأكيده على أن البديل للمفاوضات السياسية هو الحالة الماثلة في ليبيا وسوريا وأن الصعوبات الاقتصادية والأمنية "يتسبب بها البعض لتفكيك ما أنجزه اليمنيون عبر المفاوضات السياسية"، وتشديده على ضرورة أن تنسجم نتائج أي محادثات مع بنود المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، بقوله "نحن ندعم الطريقة التي يتبعها هادي لحل الإشكاليات سلمياً فهو يدرك كما كل اليمنيين أن نتائج المواجهات ستدمر حياة اليمنيين أنفسهم وقد وضحنا علناً أننا ندعم جهود الرئيس هادي عبر المفاوضات، ومع زملائنا في مجموعة الدول العشر أبدينا استعدادنا أن نتخذ إجراءات ضد المجموعات التي تهدد أمن البلد"، وإن نجاح المفاوضات سيمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، "وخصوصاً إذا ما ثبتت هذه المفاوضات الأوضاع الأمنية داخل صنعاء والمناطق المحيطة بها".
عند قراءة الوضع اليمني يتبيّن أننا أمام واقع كارثي جديد لا يضمن الاستمرار فيه أو الأخذ برؤى تلك الأطراف التي تنطلق بتبنيها لها من حالة التعصب السياسي الأعمى، وعدم القبول بالآخر المُسيطر ه عليها، الخروج باليمن من المأساة الراهنة أو إنقاذه من الانجرار إلى حرب طائفية تحرق فيه الأخضر واليابس أو إصرار الآخرين على تنفيذ مخرجات الحوار، دون تهيئة الظروف والمناخ للانتقال إلى مرحلة التنفيذ.
وأمام تعقيدات هذا الوضع والنتائج الكارثية المتوقعة عن الحروب ونزعة الثارات السياسية تبرز حاجة اليمنيين للسلام ألشامل والدائم، الذي لا يمكن تأجيل فترة إحلاله إلى ما بعد مرحلة بناء الدولة، أو ما بعد تنفيذ شروط هذا التيار أو ذاك، بعد أن باتت المؤشرات والنتائج تؤكد على الأرض أن اليمن بحاجة إلى "خطة دولية للسلام الدائم" يتفق عليها اليمنيون على أن تنسجم مع مضامين المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار كمرجعيات تحظى بالقبول عند معظم اليمنيين، ولتضمن الوصول إلى نتائج مرضية يتعاطى معها كل اليمنيين وقبلهم التيارات السياسية لتتحمل المسئولية للقيام بواجبها بصدق وأمانة أمام الشعب والمجتمع الدولي لإنجاح برنامج المرحلة القادمة والالتفاف حول الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، ومساندته لإخراج اليمن إلى بر الأمان.
Maqbas1@yahoo.com