أصبح الشعب اليمني كله وبكل فئاته ومؤسساته وجماعاته وأحزابه يدرك الموقف الحقيقي لأمريكا والحوثي وبن عمر بل وللدول العشر، والمبعوث الأممي بن عمر الذي كلما هبطت به طائرته في مطار صنعاء الدولي كان بمثابة ساعة الصفر التي تؤشر للحوثي بانقضاض لتنفيذ المخطط المصنوع للوضع اليمني التي تريده تلك الأطراف، لإيقاف عجلة اليمن عن تكوين دولة يمنية تقوم على العدالة والمساواة والنظام والقانون وتحريره من الحكم التسلطي التي تدعمه أمريكا ضمن القوى الشيعية في الدول العربية.
وقد اتضح لنا حقيقة الحوثي في هذه الأيام بروزه للمطالبة بمخلفات أسلافه من الطائفية المتسلطة في عدوانه على قرية القابل وقصر الحجر، وتصريحهم بالحقيقة التي لم تعد تخفى على ذي لب من أبناء شعبنا المقاوم للكهنوت والاستبداد والإرهاب، واتضحت المواقف جلية في حقيقة تصعيد الحوثي للأوضاع وشهره للسلاح في وجه الشعب اليمني والعمل المتواصل لإسقاط مدنه حين يكون المبعوث الأممي حاضرا، وحين يظهر مبعوثو الدول العشر بإرسال تنديد شديد اللهجة بالحوثي واستعداهم لدعم هادي وليس لدعم الشعب اليمني دون أن يتخذوا ضده أي خطوات إجرائية بل يصبح تلك التصريحات من مبعوث أمريكا بن عمر والدول الراعية رفعا لمستوى الجاهزية القتالية عند الحوثي وكأنها أوامر له بالاستمرار في طريقه في هذه الشفرة، مما يعطي شعبنا حقيقة التزاوج بين هذه الأطراف الذي يحاول به كل الأطراف أن يولد وضعاً مع التوجهات المرادة لبلدان الربيع العربي، حتى لا تتكرر تلك الثورات العاصفة ضد الإدارة الأمريكية، ومبعوثها باسم الأمم بن عمر هو مكوك يأتي للحوثي بما يجب أن يفعله مع كل تحقيق مكاسب، وبدأت تتكشف لكل يمني حقيقة جهاز الدولة برئاسة هادي، وأنهم على اطلاع بهذه اللعبة التي يسعون لتحقيق مرادهم من خلال مجندهم المأمون سماحة الحوثي كأسلافه السيستاني والخميني والأسد وحزب الله وكل الفرق الشيعية في الوطن الإسلامي التي جندتها أمريكا، لتتقاسم معها المصالح ولا ضير من رجوع اليمن إلى الإمامة ومحاربة الديمقراطية، كما بدأت تظهر علامة على صدق ما قلناه في هادي وأنه جزء من اللعبة من خلال قتلى قواتنا المسلحة التي استشهدوا في شملان بدم بارد، ولم يعرف للدولة من رئيسها إلى أصغر مستشار في الرئاسة للأمر بإنقاذهم وإسعافهم قبل الموت، أو أخذ جثثهم وتكريمها إكراما للوطن وللشعب، حتى مضت ساعات طوال، والسكوت المريب لهادي الذي فقد الهدى، بل ولأرساله مستشاره ورئيس مكتبه مع بن عمر إلى صعداء لرفع سقف مطالب الحوثي والقبول بها وتحريضه على الاستمرار في عدوانه حتى يتحقق هدف الفرقاء الذين يريدون وضعا تابعا للأجندات الخارجية بكل مطامعها والأجندة الداخلية التي صنعتها أمريكا ودول الإقليم على حساب حرمان الشعب اليمني حتى ولو سقطت الجمهورية وعادت إمامة باسم الدين لكن دين ملالي أمريكا، الحوثيون الذين يطلقون على أنفسهم اسم (أنصار الله) وهو الاسم الذي أطلقوه على حركتهم مؤخرا ربما اقتداء بـ (حزب الله) ذو التوجه الشيعي والمرتبط عقائديا بولاية الفقيه في إيران، فالحوثيون كما هو واضح لم يعودوا ينتمون للمذهب الزيدي الذي ينتسبون إليه زورا وبهتانا بل هم أعداء الزيدة من قبل لكونهم جارودية ربما تحولوا بصمت إلى المذهب الشيعي الخاضع أيضا لتوجهات إيران المذهبية والسياسية التي تثق بها أمريكا، ومن هنا حرضوا كشيعة العراق على فكرة السيادة على اليمن، حيث نقل عن زعيمهم الحالي قوله: إن حكم اليمن حق الهي لآل البيت, وما دام الأمر كذلك - حسب قوله - فإنه يجوز له أن يفعل أي شيء للوصول إلى ذلك الحق الإلهي المزعوم وهذا فعلا ما بدأ بفعله مستخدما كثيرا من الحجج الواهية!! وأمريكا ومبعوث ومبعوثها باسم الأمم والدول العشر لم يحرك ساكناً لوقف زحفه وممارسته الإبادة الجماعية ضد الإنسانية بل هو يماس العنف ضد اليمن أكبر مما تمارسه داعش.
مهمة البعوث الأمي والحوثيون والأمريكان (2-2) الحوثيون خاضوا حروبا عدة ضد الشعب اليمني وليس ضد الحكومة اليمنية حتى من حكم المخلوع على عبد الله صالح، وهو اليوم مع منظومته العميقة يساعدهم وهذا يزيدنا فهما للعبة ويكشفها لشعبنا، ويتضح إلى أن وقوف هذه الأطراف كلها إلى جانبهم كي يستخدموهم في ضرب ثورة شعبنا اليمني الثائر الذي خرج بكل فئاته يدمر سلميا كل المخططات الاستبدادية ويدعو لبناء يمن جديد يقوم على الحرية والعدالة والمساوة والندية في التعامل مع مراكز القوى في الداخل، وكذلك العدو الخارجي الذي صنع حاكما مدمر لليمن طوال ثلاث وثلاثين سنه، ولا يخفى على شعبنا، دخول إيران على الخط وبقوة غير ذلك التوجه الذي صنع له صالح إلى توجه آخر يتماشى مع مصالح أمركا وإيران المتحالفتين استراتيجيا في تغيير الغارطة في العالم العربي بل والإسلامي مما جعل ماليزيا والسودان وغيرهما من الدول تنتبه لهذا المخطط وإدراك أن أي شعب يدخله إلى الإيرانيون يقدمون معهم الشيطا الأكبر من جهة، ومن جهة أخرى فإن تطلعات الحوثيين في إنشاء دولتهم التي يحلمون بها ويرون أحقيتهم بها. يتحالفون مع هؤلاء لتحقيق ذلك الهدف ومن أجله شن الحوثيون حربا على السلفيين الذين تتهمهم أمريكا بتفريخ جماعة الجهاد والتكفير في دماج وقتلوا أعدادا منهم واستطاعوا ترحيلهم جميعا من دماج باتفاق من بن عمر وتنفيذ ها دي، إلى مناطق متفرقة في اليمن، وحققوا أول نصر كبير لهم في ظل صمت أو تواطؤ الدولة معهم وكذلك صمت دول الخليج والدول العشر للأسف الشديد، ربما لقناعتهم أن الحوثيين سيحاربون الإخوان في اليمن – الذي لاوجود لهم في اليمن لكن ستحارب القوى الوطنية التي دوما تدافع عن شعبها وتأبى لهم الذل وقد اصبح الإخوان عدوهم المشترك - ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء!! ولكن هل سيتحقق لهم ذلك؟ هذا ما أشك فيه كثيرا لأن الحوثيين أصبحوا أصحاب عقيدة لا يمكنها التماهي مع عقيدة السنة طويلا وبالتالي فإنهم لن يقبلوا مجاراة دول الخليج السنية في مشاريعهم السياسية خاصة إذا اختلفت الأهداف بينهم. وبعد أن قضى الحوثيون على السلفيين اتجهوا لتحقيق هدفهم الأصلي فاتجهوا صوب عمران ثم صوب صنعاء والجوف وحجة منذ رمضان الفائت، دون الشعب اليمني وشاهد قتلهم للسنة ومنعهم من صلاة التراويح وهدم مساجدهم ودور القرآن، تنفيذا لمخطط تجفيف المنابع الذي تتبناه أمريكا وتأمر به حلفاءها، إلى غير ذلك من أعمال القتل والهدم والتخريب، وهاهم اليوم وسط العاصمة صنعاء يتظاهرون بأنهم إنما دخلوها لتحقيق بعض المطالب السياسية ولكن الهدف غير ذلك كما هو معروف، ولا أشك أبدا انهم سيكونون خطرا مباشرا على الخليج لو تم لهم الاستيلاء على صنعاء. شاء من شاء وأبا من أبا مع أن شعبنا بإذن الله سيتخذ قراره في الوقت المناسب (ولينصرن الله من ينصره) وإزاء كل ما يفعله الحوثيون في اليمن ومع أن شعارهم الذي يرفعونه هو: (الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام، إلا أن الأمريكان حريصون على أن لا يصاب الحوثيون بأي أذى!! ولا يستبعد أنهم يضغطون على حكومة اليمن أن تتركهم يفعلون ما يشاءون وهذا يرجحه أنهم قتلوا أعدادا من الجيش ودخلوا صنعاء والحكومة صامتة لا تفعل شيئا عدى دعوتهم للمفاوضات!! ولا أدري كيف ستفاوض دولة فريقا ينتمي إليها وقد دخل عاصمتها عنوة وبقوة السلاح ويريد فرض ما يريد بالقوة!! أمريكا تقتل الكثير من الأبرياء في اليمن بحجة محاربة الإرهاب!! ومعروف أنها قتلت مجموعات لا صلة لهم بالإرهاب وكله عن طريق الخطأ كما تقول لكنها لم تتوقف عن هذا الخطأ المتكرر كما أنها لم تعتذر عن قتل الأبرياء بل ولم تعوضهم على الإطلاق، كل تلك الجرائم التي ارتكبتها كانت تضعها تحت مظلة محاربة الإرهاب لأن القاعدة في اليمن تهدد مصالحها!! لكن الحوثيين شعارهم (الموت لأمريكا) وكذلك الموت لربيبتها وحبيبتها إسرائيل ومع هذا فهي لم تجرم الحوثيين ولم تصنفهم بأنهم إرهابيون رغم كل ما ارتكبوه من مجازر!! الواضح أن أمريكا تجامل إيران كثيرا في هذا الملف ؛ فهناك مصالح مشتركة بينها في العراق وهذا يقاضي التغاضي عن مشروع الحوثيين في اليمن، واستفاد الحوثيون أيضا من توجه بعض الدول الخليجية من محاربة الإسلام السياسي، كما أن توجه أمريكا وآخرون لمحاربة الإرهاب في اليمن يصب في صالحهم كثيرا إذ أن الكل صامت عن مشروعهم الخطير الذي قد يهدد الكثيرين في حال نجاحه. أمريكا لا يهمها مصالح الشعب اليمني ولا العرب ولا يهمها الدم العربي كيف يراق ومتى، كما لا يهمها الإرهاب إذا كان بعيدا عن مصالحها، هي تستخدم كل من تستطيع لتحقيق ما تريد، وتحارب من تريد إذا لم يحقق مصالحها والذرائع كثيرة ومتوفرة ولا يهمها من يرضى ولا من يغضب، فالحق للقوة وحدها وهي تملك حاليا هذا الحق، ولكن يبقى الآخرون الذين عليهم أن ينظروا إلى مصالحهم سواء أرضيت أمريكا أم غضبت. ولن ليكن شعبنا يقظا وليدرك إن الله لا يصلح عمل المفسدين.
د. عبد الله بجاش الحميري
مهمة المبعوث الأممي والحوثيون والأمريكان (1-2) 1409