التطور التصعيدي الذي تشهده اليمن حالياً، أتى بعد جملة مكاسب عسكرية حققها الحوثيون، وكنتاج طبيعي لتعثر الآليات التطبيقية والتنفيذية للحل السياسي الانتقالي، الذي حظي برعاية عربية - خليجية ودولية، لكن من دون حرارة داخلية، بل أكثر من ذلك بروز اعتراضات وتحفظات من قوى داخلية ذات التركيب القبلي والمناطقي أو تلك المفتوحة على تأثيرات الخارج، وخصوصاً الإقليمي منه.
ما حصل في العراق خلال الأشهر الأخيرة، شكل ضربة للمشروع الإيراني، ومعه أعيدت الأوراق لتختلط مجدداً لجهة تحديد مدى النفوذ السياسي والأمني لدول الإقليم.
وفي مقاربة لحساب الربح والخسارة لدول الجوار الجغرافي للعراق، تبدو السعودية رابحة، وإيران خاسرة.
هذه الخسارة الإيرانية من تطورات العراق الأخيرة، لم تمنع طهران من التعامل ببراغماتية معها لإدراكها بأن ميزان القوى العام ليس في مصلحتها، ولهذا فإنها لم تنتظر طويلاً، لترد على انتكاسة دورها في العراق بإعادة وهجه في منطقة أخرى تعتبر خاصرة رخوة للسعودية.
إن التحرك الحوثي الأخير في اليمن، وإن قدم نفسه تحت عناوين مطلبية وسياسية محلية، إلاّ أنه في حقيقته وأبعاده، هو رد إيراني على السعودية لعلّ إيران تعوّض في اليمن ما خسرته في العراق.
هذه القفزة الإيرانية إلى تخوم السعودية، تتكئ على الكتلة الشعبية التي تندرج حركياً تحت اسم الحوثيين، ومعه تعود إيران مرة أخرى لتوظف مكوِّن مجتمعي في قطر عربي خدمة لمشروعها الإقليمي وأياً تكن الأثمان البشرية والسياسية التي يدفعها هذا المكون. فما تختبره إيران اليوم في اليمن سبق واختبرت مثيلاً له في البحرين والسعودية وسوريا ولبنان، لأنها تعيش تحت وطأة فائض القوة الظرفية التي توافرت لها بعد حرب العراق وضعف المواقع العربية الارتكازية وغض النظر الدولية، ولا سيما الأميركية عن دور إيراني يساهم في التحريض والتخريب السياسي والمجتمعي في بنى المجتمع العربي. حتى لا تندفع الأوضاع إلى مزيد من التعقيد والتصعيد في العلاقات العربية الإيرانية فإن على إيران أن تتعظ مما جرى في العراق، حيث ظهر أن ما كانت تعتبره ساحة نفوذ أساسية لها، إنما انطوى على وهم نفسي أكثر مما كان يستند إلى معطيات واقعية عراقية وعربية ودولية، فإذا كانت قد خسرت في العراق وهو الذي كانت تظن أنه الأكثر مواتية لتكريس نفوذها، فلا يمكن أن تربح في ساحات أخرى بعيدة عن التماس الجغرافي، ولا تتوافر لها ذات المواصفات العراقية. وإذا كانت تعتبر أن حركتها طليقة في فضاء عربي مكشوف، فعليها أن تعي جيداً، ان فضاءها ليس محكم الإغلاق، ومن مصلحتها والدول العربية، وخاصة دول التخوم نسج علامات إيجابية على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية وإلاّ فإن الجميع سيخسر وإيران ستكون الخاسر الأول. فمن يخسر في الموقع الأقرب لن يربح في الموقع الأبعد.
النهار اللبنانية
المحامي/ حسن بيان
إيران تردّ في اليمن 1069