للوهلة الأولى وفور إعلان إسرائيل شن حرب موسعة في غزة تهدف للقضاء على حركة حماس وسلاح المقاومة بشكل شامل ضن كثير من العرب أن إسرائيل ستحقق ما تريد وفي مدة زمنية قصيرة لا تتعدى المدة التي احتاجت اليها اسرائيل لتقضي على ثلاثة جيوش عربية في حزيران 67م, لم يكتفوا بذلك فقط بل فرحوا واستبشروا بشن تلك الحرب على غزة لا لشيء سوى لتخليصهم من كابوس مرعب ظل يطاردهم طيلة اعوام مضت وهو الذي فضحهم في حروب سابقه هذا الكابوس الذي عرّى تآمرهم وكشف زيف ما يدعون من امتلاكهم لإرادة عربية مستقلة تحميها قوة جيوشهم التي هددوا بها اليهود لعقود مضت دون أن يتحركوا شبرا واحدا تجاههم, هذا الكابوس الذي استمروا في حصاره وخنقه جنبا الى جنب مع الصهاينة هذا الكابوس الذي ظنوا أن إسرائيل قادرة على تخليصهم منه وبضربة واحدة ليتفاجؤوا به يخرج من بين ركام المنازل المدمرة ومن داخل الأنفاق المستهدفة ومن وسط الحصار الخانق الذي يفتك بالحجر قبل البشر ليتفاجؤوا به يخرج منتصرا مذلا لهم ولكل من تآمر على غزة بعد أحد وخمسون يوما من الحرب الشنعاء على كل ما يتحرك فيها, حرب لم تكتفي فيها المقاومة بعرقلة تحقيق أهداف إسرائيل المعلنة بل راحت بعيدا تقارع العدو وتلقنه دروسا في القتال لم يخبرها العالم من قبل دروس هي في الواقع موجهة للعرب قبل الصهاينة قدمتها المقاومة وبالمجان لكل من يبحث عن العزة والانتصار.
ومع تنوع أساليب المعركة تنوعت تلك الدروس العملية التي تنقلت من ساحة القتال فوق الأرض وتحتها الى ساحة المراوغة العسكرية ونزال التصريحات واللعب في الأوراق المحققة في ساحة المعركة واستخدامها في الوقت المناسب لها ومن ثم انتقلت نقلتها الأخيرة الى ساحة السياسة ومعركة المفاوضات الغير مباشرة.
ومن تلك المعطيات نلمح جليا كيف تلاعبت المقاومة بجنود العدو ومعداته وأسلحته المتوسطة والثقيلة لدرجة إيصالهم الى حالة هيستيرية يتبولون فيها على سراويلهم ويطلقون النار على أقدامهم حتى يتسنى لهم الفرار من مواجهة الموت المحتم, وغير بعيد عن ذلك واقعة تسلل رجال القسام الى قاعدة ناحل عوز العسكرية وتقدمهم أمام أنظار الجنود المذعورين مع توثيق القسام للعملية.
إذا انتصرت غزة وانتصرت حماس وكل المقاومة بعد إذلالهم للصهاينة وتكبيدهم خسائر لم يحلموا بها حتى في أشد كوابيسهم رعبا, انتصرت غزة في قلب المعركة فكللت انتصارها الميداني إلى اتفاقية وقف اطلاق النار المعلنة مع رفع للحصار وفتح للمعابر, انتصرت رغم أن الاتفاق لم يشمل بند إنشاء المطار والميناء وأجل التشاور عليهما الى بعيد شهر من توقيع الاتفاقية, وهنا يبرز درس آخر من دروس المقاومة حيث بدأت المفاوضات بسقف مرتفع يعلم الجميع وهي أولهم أن عناد اسرائيل وكبرياءها لن يسمح لها بالقبول بالمطالب كماهي ذلك السقف المرتفع الذي تقلص إلى ما خرج به الاتفاق كانت المقاومة تعلم جيدا أنه سيصل إلى ما وصل اليه لكنها لم تدخل المفاوضات حتى تظفر به كما هو, فظلت متمسكة بأوراق أخرى لم تكشف عنها وهي على طاولة المفاوضات لإتقانها الرائع لعبة التفاوض والمساومة فتلك الأوراق التي تمتلكها المقاومة هي وحدها من ستأتي بالصهاينة صاغرين مهرولين لتلبية طلبات المقاومة وهي وحدها القادرة على إتمام بناء السقف المرفوع.
هي إذا دروس لمن يبحث عن العزة لمن يعشق الانتصار ولا يرضى بالخنوع والانكسار ومازال في جعبة غزة مزيداً من الدروس الفريدة من نوعها..
محمد أحمد عثمان
غزة..استاذية العزة والانتصار 1261