في الفترة التي تولى فيها أوباما الرئاسة في 2009م برز في ثياب الواعظين.. كان ذلك في أول خطاب له – وأعتقد أن الكثير ما زال يتذكر خطابه ذلك – عندما استهل خطابه التغريري المموه.. وربما كان ذلك الخطاب نتيجة شعوره وفطنته إلى جهل الزعامة العربية.. وخاصة في مجال الوعظ (إلقاء الخطاب وتحليله).

جاء في خطابه قوله "إن القرآن يعلمنا أن من قتل بريئاً يقتل الإنسانية كلها ومن ينقذ امرأً ينقذ الإنسانية كلها" وهنا دوت أيدي الحاضرين بالتصفيق وشخصت أبصارهم ذهولاً.

  بهذا الوعظ السخي اغتر الكثير حتى ظل خطابه تلك الأيام حديث الأعراب فقائل يقول: الرجل مسلم, وآخر يتأنى فيقول: متعاطف مع المسلمين؛ لأن جده مسلم.. واستبشر الأعراب خيراً بصعوده كونه حفيدهم البار ولم يدركوا أن الرجل لم يصعد إلى مكانه لا بحسن الطلعة ولا بكثرة المال؛ وإنما بملكة الرجل لزمام الأسلوب الخطابي، وفي ذلك قصة تذكر في سبب شهرته في حزبه ومن ثم وصوله إلى حيث وصل.

بهذا الأسلوب الاقتطاعي عبر الرجل في خطابه حتى تراءى للناس أنه ألطف من سابقيه وعند الرجوع إلى مقولته السابقة لم يدرك الأعراب أنه قد استل الحكم من سياقه وأعاد صوغه وأسقط أهم ما فيه وهو قوله تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً) كم تمنيت أن يكرر أوباما في صعوده الأخير تدليسه أمام الزعماء العرب لنرى مدى يقظتهم من غفلتهم لكنه لم يعد لها.

 فهلا قام الخطيب أوباما واعظاً لبني إسرائيل هذه الأيام مستحضرا بقية الآية علهم يتعظون.. لأنه يوم ألقى خطابه كان موجهاً لشركائه وحلفائه في مكافحة الإرهاب والتطرف في أرض الأعراب.

نأمل من الشيخ أوباما أن يكرر الوقفة للوعظ لكن هذه المرة يجب أن تكون لبني إسرائيل ويكمل لهم بقية الآية (كتبنا على بني إسرائيل) حتى تبرأ ذمته وتؤدى أمانته.

بدهاء أوباما استطاع أن يجعل جائزة نوبل تجر أذيالها إليه؛ لأنه رجل سلام، فلعلها هي الأخرى قد تأثرت بموعظته الرنانة!

قبل أوباما.. بوش الذي بدوره قد وقف موقف الواعظين ففي أكتوبر 2005م عندما أقام البيت الأبيض مأدبة طعام لممثلي الدول الإسلامية؛ فقام الثعلب يعظ الحاضرين متحدثاً عن الإرهاب والقتلة المجرمين.. وكأنه يعني دول أولئك الأنعام الذين قد التفوا حول حظيرته (المأدبة) فأراد أن يدلل على قوله لذلك بآيات من قرآنهم ظناً منه أنهم قد بلغوا من الثقافة الذروة.. كان مما ورد في خطابه لهم أن تلا عليهم آية القتل لكنه أسقط المهم منها فقال (من أجل ذلك كتبنا أنه من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً) وهنا أسقط (على بني إسرائيل).. وليت في القوم ربع فقيه لعله يفطن لذلك؛ لكن هذا ما لم يحصل.

طبعاً خطابات الزعماء (بوش+ أوباما) رسمية موثقة لا مجال للارتجال فيها ولا مجال لاحتمال الخطأ أو النسيان فيها؛ لأنه يتولى إعدادها فريق مختص من المكلفين والمستشارين ومنهم الإعلامي، والسياسي، والحاخام (عمال في ورشة صناعة الخطاب) يا عرب.

لكن حذف الحكم على بني إسرائيل له دلالته ففيه بيان لحال بني إسرائيل وسجلهم الحافل بالإجرام وقتل الأنبياء قديماً والأبرياء حديثا.. وهذا ما يحاولون إخفاءه ولصق التهمة بغيرهم ولم يجدوا لذلك غير العرب.

أخيرا نقول :

عذرا غزة

عذرا ﻷطفالك

وعذرا لنساءك

وعذرا لكهولك.

وعذرا لكل أبطال المقاومة فيك.