;
سامي السلامي
سامي السلامي

التوجه المغربي لأفريقيا جنوب الصحراء وسياسة اللعب على الحبال 2717

2014-08-28 16:27:22


عرفت السياسة الخارجية المغربية خلال العقد الأخير ديناميكية غير معهودة في علاقاتها الإفريقية، كان آخرها زيارة وفد رفيع المستوى برئاسة الملك محمد السادس شهر مارس الماضي لكل من مالي، كوت ديفورا، غينيا كوناكري والغابون.

زيارة الوفد المغربي للبلدان السابقة الذكر، تمخض عنها توقيع العديد من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، حيث أبرمت 17 اتفاقية مع مالي تهدف في مجملها إلى تشجيع القطاع الخاص، و26 اتفاقية مع الكوت ديفوار تهم التعاون في مجال الملاحة البحرية والصيد البحري والمجال البنكي مع تمويل مشاريع بقيمة 110 ملايين دولار وإنشاء 600 وحدة سكنية، و21 اتفاقية تعاون وشراكة مع غينيا كوناكري مع إنشاء “مطاحن إفريقيا” للحبوب في نفس البلد بقيمة 30 مليون دولار، وعرفت نفس الزيارة التوقيع على شراكة استراتيجية نوعية في تاريخ العلاقات الثنائية المغربية ـ الغابونية في مجال الأسمدة وذلك بإطلاق مشروع مشترك بقيمة ملياري دولار.

التوجه المغربي نحو الجنوب، أسال الحبر والمداد للعديد من المهللين لهذا الخيار الاستراتيجي واصفين إياه بالذكي، ومن موقعنا كمهتمين بالعلاقات الدولية المعاصرة، سنحاول تفكيك شفرة هذا التوجه بحيادية تامة وقودها التحليل الاستكشافي للحقيقة وتركيبها في إطارها العلمي والمنطقي، مع الإشارة إلى أن دراستنا هذه لن تخلو من النقد الهادف والبناء.

التعاون جنوب ـ جنوب:

لطالما أكد العديد من المفكرين والاقتصاديين ـ وعلى أن الحل السحري لمشاكل دول الجنوب هو التعاون جنوب ـ جنوب، كخيار استراتيجي للنهوض بهذه الدول والتنصل من أغلال دول الشمال ومؤسساتها الاستعمارية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي)؛ فمن غير المعقول أن 75% من ساكنة العالم المتمركزة في دول الجنوب تستفيد فقط من 5% من ثروات العالم مع اغتصاب لثرواتها من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، في حين أن 25% من ساكنة العالم المتمركزة في دول الشمال تسيطر على 95% من مقدرات العالم.

في هذا الإطار دعا الراحل الحسن الثاني في آخر أيامه للتعزيز من التعاون جنوب ـ جنوب، وهو نفس الخيار الذي يتبناه ظاهرياً الملك محمد السادس طبقاً لنفس المعطيات التي سردنها سابقاً.

ويدعي المغرب أن توجهه الأخير نحو إفريقيا، يهدف أساساً إلى تدعيم التعاون جنوب ـ جنوب، متبنياً مبدأي “الشراكة الاستراتيجية” و”رابح ـ رابح”، في سعي منه لخلق نسيج اقتصادي خاص بإفريقيا يهدف للحفاظ على الأمن الغذائي للمنطقة وتدعيم البنيات التحتية وخلق العديد من المشاريع التنموية..

البعد الاستراتيجي:

ترتبط السياسة الخارجية للمغرب بحليفين استراتيجيين اثنين: الولايات المتحدة الأمريكية كحليف استراتيجي في المجال الأمني فرضه الموقع الجغرافي المؤثر للمغرب، وفرنسا كشريك اقتصادي فرضه التاريخ الاستعماري.

إلا أن التوجه الأمريكي في العقدين الأخيرين نحو محاربة الوحدة الترابية للمغرب وهوما ترجمه المقترح الأمريكي لتوسيع مهام بعثة المينورسو بالصحراء لتشمل حقوق الإنسان، مع التخاذل الفرنسي بزعامة هولاند اتجاه المغرب في بعض المحطات، جعل الرباط تراجع توجهاتها الحالية.

كل هذه المعطيات عجلت من تغيير المغرب لنهجه التقليدي المعتمد على اللعب على الحبلين الأمريكي والفرنسي، نحو التوجه لإفريقيا جنوب الصحراء قصد ربح عمق استراتيجي وتثبيت حبل ثالث لتعزيز الخيارات.

البعد الجيوسياسي:

يسعى المغرب في سياسته الخارجية اتجاه إفريقيا جنوب الصحراء إلى استغلال العامل التاريخي والديني، ويعلم صناع القرار في الرباط أن دعم الاستقرار السياسي مع خلق شراكات اقتصادية في المنطقة، من شأنه أن يقف حاجزا في وجه المخططات الانفصالية التي تهدف إلى شد أوصال الدولة المغربية وتقطيعها في إطار مخطط شامل يهم الإحاطة بالوطن العربي لتفتيت المفتت وتقسيم المقسم.

وبتوجهه إلى الجنوب، يرسل المغرب للقوى العظمى رسالتين واضحتي المعالم، الأولى مفادها أن أي تهديد لاستقرار المغرب أو شد لأوصاله ـ مع ما له من تأثير ديني على دول المنطقة ـ من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة ككل ومصالح القوى العظمى فيها، والثانية أن أي تقسيم للخريطة الجيوسياسية بالمنطقة يجب أن يتم دون تحييد لاستمرارية النظام المغربي وتأثيراته في المنطقة.

السياسة الخارجية للمغرب وآفة الشخصنة:

إن حديثنا عن التعاون جنوب ـ جنوب وتحليلنا لما هو استراتيجي وجيوسياسي، لا يحيدنا عن الحديث عن أكبر آفة تعاني منها السياسة المغربية، ألا وهي مشكلة “الشخصنة”، إذ أن المغرب ـ مثله مثل باقي دول الموز العربية، بدءا من ممالك البترودولار مرورا بالجمهوريات ذات أنظمة الحكم الشمولية وصولا إلى مملكة الـ 12 قرنا ـ يعتمد في سياسته الخارجية على شخص الملك، إذ أن أي خيار استراتيجي لا بد أن يتم في ارتباط تام به.

ونعلم جيدا أن السياسات المرتبطة بالأفراد لا تخرج من دائرة المصالح الفردية الضيقة، في حين أن أي سياسة خارجية يجب أن تنبني على روح المؤسسات الديمقراطية المنتخبة، وأن يكون وقودها استراتيجية شاملة ومستمرة.

ومن ثم، إن أي توجه مغربي ـ صوب إفريقيا جنوب الصحراء ـ مبني على سيادة ناقصة، هو مساومة أكثر منه استراتيجية، يستهدف الحفاظ على وجود النظام القائم في عالم معاصر متحول متسم بالفوضوية.

جميل أن يستغل المغرب العامل الديني في بناء سياسات خارجية وربح عمق استراتيجي في إفريقيا جنوب الصحراء، لكنه من غير المقبول أن توجه الرباط بوصلتها الخارجية دون مراعاتها للمشاكل السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والبنيوية التي يعاني منها الداخل المغربي، ما يجعلنا نقول أن مراجعة الأجندة السياسية العامة أصبح أمراً ملحاً لتلافي أي احتقان قادم.

*كاتب مغربي

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد