لم تترك القوى الخارجية ، وأجندتها في الداخل للإصلاح سوى خيارين كل منهما أسوأ من الآخر؛ إما أن يعبر بسياسته فوق حقل من الألغام ، وهو يتوقع انفجارها في أي لحظة ، أو أن ينتحر سياسياً ليتخلص من عذاب السياسة ووجع المشاركة في السلطة وصناعة القرار.
يقرأ الإصلاح تجارب الحركات الإسلامية في الداخل والخارج خلال الستين سنة الماضية، ليتأمل مواقع النصر وأسباب الهزيمة ومواضع النجاح وعوامل الانكسار.
إنه يقرأ كثيراً في انتكاسة ثورة 1948م في اليمن ، ونتائج حروب المناطق الوسطى 1980م ، وموروثات حرب صيف 1994م ، ثم يوميات الربيع العربي 2011م.
وهو يعي جيداً الأحداث في المحيط العربي, من مأساة حماة في سوريا سنة 1982م وكيف كان تشتت القرار القيادي سبباً في حصول الكارثة ، واغتيال ثلاثين ألف إنسان خلال أيام ، واستوعب الإصلاح أحداث الجزائر 1990م وخطابات الجبهة الإسلامية بقيادة عباسي مدني وكيف أمسى الجمهور على وقع خطابات ثورية وزحوف ثورية ثم أصبح على موعد مع أوتار مؤامرة عالمية عبثت بحرية شعب وأحلام جيل ، لتبدأ بعدها مأساة الدم والقتل في كل ربوع الجزائر ، ولم يكن لذلك الجيل من حلم إلا أن تشرق شمس الصباح بحلم الحرية والعزة والكرامة.
لقد تعلم الإصلاح أيضاً من أحداث الأفغان يوم أن ترددت الفصائل المجاهدة في وضع السلاح بعد النصر المبين والفتح العظيم ، وكرهت أن تتحول إلى أحزاب مدنية تبني ما دمرته الحرب وخربه الاستعمار، مأساتها أنها تمسكت بالسلاح حتى عاد الرصاص إلى صدور المجاهدين ليأتي الطالبان فيقتلعَ شوكة الجميع ثم كان بعدها ما كان.
وأدرك الإصلاح جهود الإخوان المسلمين في مصر وتأثيرهم المذهل في العمق الاجتماعي, وقرارهم المتضارب في دخول الانتخابات الرئاسية ثم حصولهم على نسبة جماهيرية تصل إلى 67% في انتخابات 2012م ثم ثقتهم الصادقة والزائدة في كل خصوم الأمس واليوم والغد ، حتى وقعوا تحت نيران المؤامرة الدولية لتتسبب هذه الكارثة في انتكاسة أكبر حركة إسلامية في العالم والتي ما تزال تأثيراتها السلبية في تصاعد مستمر.
الإصلاح الآن في مهمة البحث التاريخي وتقييم التجارب ، الإصلاح ربما يحرص على حماية المكتسبات الدعوية التربوية والسياسية لجهود عشرات من السنين الماضية.
الإصلاح يعيش بين ثلاثية الامتحان الصعب، قواعده الأكثر حماساً من قيادته ، ومسئوليته في قرار التفاعل مع الشراكة السياسية ، وعصا القوى الإقليمية والدولية التي لا ترحم.
على الإصلاح أن يستوعب الدروس جيداً ، وان يتذكر بحصافة ، وأن يتأمل بعناية ، وأن يشارك بجدارة ، ومن الواجب عليه أن لا يتأخر كثيراً, فالآخرون يهرولون كما لو كانوا في مارثون رياضي متشنج.
نعمان شعلان
الإصلاح..بين خيارات العبور فوق الألغام أو الانتحار السياسي 1145