مهما اختلف الناس حول تفسير أسباب إخفاقات الأمة العربية في شتى مجالاتها وسر تخلفها وتفرقها وضعفها, فإنهم لن يختلفوا في الاتفاق على أنها أزمة قيادات أدت إلى سائر الأزمات في مختلف جوانب الحياة .
القائد "اردوغان" ليس مرشح الجمهورية التركية فحسب, بل والشعوب العربية والإسلامية لتعبيره عن إرادتها الحرة, فهو لم ينهض ببلاده تركيا اقتصادياً وغيره, بل وكان مباركاً حتى الحرص على الدفاع عن قضايا أمته الإسلامية, فقد كان أكبر نصيراً للثورات العربية المباركة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين في حال تواطأ المجتمع الدولي على وأد الثورات في مهدها وإفشالها والحيلولة دون وصول المخلصين لأوطانهم إلى سدة الحكم بغية بقاء الشعوب العربية تحت هيمنة الجهل والفقر وهكذا يكون تأثير "الإمام العادل" وهي الإمامة العامة في إصلاح مجالات الحياة "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".
وقد انعقد الإجماع على فضل الإمام العادل على العالم العامل, اعتباراً لسعة التأثير وخطورته. ولا يخفى أن الأمة عاشت أزهى عصورها حين برزت قيادات فذة سياسية وعسكرية وعلمية من أمثال الخلفاء الأربعة وأئمة المذاهب الأربعة وابن تيمية وطارق بن زياد وصلاح الدين والبنا وأحمد ياسين- مجتهدين ومجددين- كلٌ في بابه.
"أولئك أجدادي فجئن بمثلهم *** اذا جمعتنا يا جريرُ المجامع"
ولذلك اهتمت كتب الفقه والسياسة الشرعية ببيان شروط صحة انعقاد الإمامة عند بيان قوله تعالى" إني جاعل في الأرض خليفة", وقوله سبحانه" لا ينال عهدي الظالمين", وذكرت لذلك عشرة شروط منها: الإسلام والعلم والعدالة وإقامة الدين" اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله" رواه مسلم.
ذلك أن صلاح القيادة, صلاحٌ للشعوب وفسادها؛ فسادها, قال الحسن البصري "الناس على دين ملوكهم" لما للأنظمة من تأثير كبير على ثقافة الشعوب واقتصادهم وكرامتهم واستقلال وتنمية بلدانهم وفي رأيي أن العكس صحيح أيضاً "فالملوك على دين شعوبهم " لما تملكه الشعوب من قدرة على اختيار أنظمتها وعزلها والضغط عليها إذا هي أرادت الحياة الحرة الكريمة.
وقد قرر العلماء المختصون بالتنمية البشرية أن" جيشاً من الماعز يقودها أسد خير من جيش من الأسود يقودها ماعز", كون القيادة الأسدية في شجاعتها وقوة إرادتها تجعل من الماعز أسوداً وأما القيادة الماعزية فإنها بممارسة سياسات القمع والتجويع والتفريق والتجهيل تجعل الأسود أغناماً, كما تفعل الأنظمة العربية المتلبسة زوراً ثياب الدين والقومية والوطنية الخاضعة لوصاية الغرب وإسرائيل المشاركة في إسقاط الخلافة العثمانية والمدخلة شعوبها تحت نير الاحتلال والوصاية ولم تستحي مؤخراً من الضغط على إسرائيل في الاستمرار على قصف غزة وخنق حماس ووأد المشروع الإسلامي.
"يـــــــــا أمتــي فاستيقظي فالنــــوم طــــال ***إن الجهـاد وبالـذيـن ترينهـــم أمـر مــحـال
فجميعهم أبطال جعجعة أرانب في النـــزال ***وعلى صدورهمُ نياشين القتال ولا قتـــال"
والخصم.. يا للخصم يلتهم السهول من الجبال!!
لقد فرضت سياسة الاستبداد زعامات هشة وضعيفة عبر صناديق الانتخابات المزورة والإعلام المأجور وأجهزة الاستخبارات غابت لديها روح الأمانة والشجاعة والحكمة والعدل ومشاورة أهل الرأي والخبرة وحس الإدارة والتخطيط ولم تعنَ بحسن اختيار القادة المعاونين ولا توظيف الطاقات ولم تكتسب محبة الجماهير وثقتهم وأغلقت دونهم آفاق الأمل بل والتفكير.
إن أكثر القادة يجعلون من طموحاتهم ونزواتهم الشخصية أهدافاً للجماهير ويجعلون على رأس أولويات حكمهم المحافظة على كراسي حكمهم, فيسخرون كل إمكانات الدولة لذلك وحتى يهيئوا لأولادهم الحكم الوراثي ويتآمرون مع الأجنبي لنهب مقدرات بلدانهم" النفط والغاز والأرض والإنسان وغيرها".
ولا أسوأ من القيادة السياسية الفاسدة, إلا القيادة الشرعية الخائنة لدينها وأوطانها والتي ليتها اكتفت بالوقوع في جريمة كتمان العلم, بل وراحت تؤصل للفساد والاستبداد بالتلبيس على العامة بالفهم المغشوش والمغلوط للنصوص والمصالح الشرعية ولقبح جريمتهم فقد شبههم القرآن الكريم بأقبح المخلوقات "الكلاب والحمير" قال تعالى" مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" وقال سبحانه" واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها.. إلى قوله "فمثله كمثل الكلب"..
مرحى بأصحاب الفضيلة*** أهل البطون المستطيلة الـــــــلائقين لكـــل مائــدة*** وتلك هــــي الحصــيلة
النـــابحين مـــع الرئــيس*** وان تمــرغ بالرذيـــلة
إنهم وعّاظ السلاطين كالسحرة والشياطين يزينون الباطل ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا وباعوا دينهم وأوطانهم بعرض من الدنيا قليل وأوردوا أنفسهم وأتباعهم موارد الهلاك في الدنيا والآخرة, كما قال تعالى عن فرعون وملئه" وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود".
إنه لا عذر للسياسي الانتهازي ولا الإعلامي المنافق ولا العالم الجبان ولا الجماهير المستضعفة المدعية أنها مغلوبة على أمرها في السكوت على الباطل فضلاً عن التصفيق له ورفع شعاراته وخذلان المخلصين.
إنها دعوة مخلصة لرئيس الجمهورية أن يحسن اختيار القادة المعاونين ولا يخضع لضغوط ووصاية المجرمين الذين لا نهاية لأطماعهم في إذلال الشعب وتمزيق البلاد.
وقد صرح كبيرهم" أوباما" أن المصالح مقدمة على المبادئ وعليه فليس الغرب جمعية خيرية ولا سيارة إسعاف بل لا يقدمون لنا خدمة بيد حتى يأخذوا أضعافها بالأيدي الأخرى.
وإنها دعوة مخلصة للشعوب أن تستمر في ثوراتها المباركة السلمية وبداية التغيير بإصلاح القيادات, طريقاً لإصلاح واقع الحياة.
الشيخ/ عمار بن ناشر
أزمة قيادة... 1294