قد تختلف الأوساط الطبية العلمية حول سبب القرحة في جهاز الهضم، ولكنها تتفق تقريباً على أشكال انطلاقها وعوامل بدئها، وهي تجد في الناحية العصبية النفسية العنصر الأول في بعث القرحة في جهاز الهضم، فالقرحة تعود في أصلها إلى تجاوب نفسي عصبي في الإنسان، إلا أنها في شكلها الواقعي تتصل اتصالاً عميقاً بالكثير من الأوضاع الاجتماعية التي تحيط بالمريض وترعاه.
وتكثر القرحة في سن تتراوح بين الثلاثين والستين، وعلى الأخص في سن الخامسة والثلاثين، وهي السن التي تزدحم فيها العناصر الاجتماعية والعصبية والنفسية لانطلاق القرحة.
فالرجل أكثر استعداداً للإصابة بالقرحة من المرأة، ولعل كثرة القرحة لدى النساء في بلادنا ترجع أولاً إلى انتشار مرض "الزحار"، وثانياً إلى وجود مشاكل اجتماعية في إطار الأسرة وفي مقدمتها اضطهاد المرأة وسوء معاملة الزوج لزوجته والكثير من النزاعات والمشاكل في البيت أو الشارع أو العمل.
ومن أهم أسباب ظهور القرحة وزيادتها استعمال بعض الأدوية التي تساعد على ظهورها، وخاصة أدوية الروماتيزم إجمالاً، فقد قدم الطب الحديث أدوية تعد من أقوى ما عرف في تخفيف ألام الروماتيزم، لكنها من أكثر الأدوية مساعدة في الإصابة بالقرحة الهضمية، أو التعرض لنزيف هضمي لمريض مصاب بالقرحة.
ومن جهة أخرى فقد وجد الطب أسباباً أخرى لظهور القرحة؛ إذ تأكد أن الذي يصاب بالحروق الكبيرة أو عقب إجراء عملية جراحية كاستئصال الزائدة أو استئصال حصاة في المرارة أو الكلية معرض للإصابة بقرحة المعدة أو الاثني عشر.
ولعل أكثر ما يتداوله الناس في أمر القرحة، هو ظهورها لدى المصابين بكثرة الحموضة المعدية، والواقع أن وفرة الحموضة وظهورها في فترات متقطعة لدى المريض تؤهل أحياناً ـ أقول أحياناً ـ لانطلاق القرحة فالقرحة التي هي تآكل في جدار المعدة الداخلي، تتكون في بعض الأحيان نتيجة فعل العناصر الحامضة في المعدة، وتأثيرها على غشائها المخاطي وإذابة جزء منه ، مما يسبب التقرح فيه.
على أن ازدياد الحموضة المعدية تخضع، في أغلب الأحيان لمنشأ عصبين، فالصدمات والأزمات النفسية والاجتماعية، يزيد في إفراز المعدة وزيادة إفراز المعدة يسبب انطلاق القرحة في حالات خاصة.. ولابد من الإشارة إلى نوع الطعام والحمية لدى بعض الناس المصابين بأمراض المعدة.. فكثرة الأكل الحامض، وزيادة استعمال البهارات والمخللات، والإدمان على المنبهات، كلها أشياء تؤدي إلى التهاب المعدة المزمن، ولذلك لابد من التنويه بضرورة تجنيب تلك المواد خلال شهر رمضان وخاصة المرضى المصابين بالقرحة الهضمية أو التهاب المعدة خوفاً من حدوث مضاعفات ومشاكل صحية أخرى وخاصة المريض الذي شفي من القرحة بالمعالجة الطبية ـ يمكن أن يتعرض لنكسة تعيد إليه آلامه ومتاعبه وتعود القرحة إلى سابق عهدها، والواقع أن انتكاس القرحة ممكن عندما يتعرض المريض من جديد لصدمة نفسية اجتماعية قوية أو التعرض للبرد الشديد.
وفي السنين الأخيرة قدّم الطب الحديث أجهزة حديثة ومتطورة لتشخيص القحرة الهضمية وعلاجها جراحياً، كما ساهم الطب الحديث في اكتشاف البكتيريا التي تعتبر من أهم أسباب الإصابة بالقحرة والتي يطلق عليها (هايلوباكتر" والتي يتم تشخيص أو التحري عن وجودها بواسطة التحاليل المخبرية، كما أسهم الطب الحديث بتقديم الأدوية الفعالة والقوية لعلاج هذه البكتيريا الخبيثة.
د.عبدالسلام الصلوي
إدمان الحوامض والبهارات وقرحة المعدة 1490