اجتاز الشهادة الثانوية بنجاح.. حاز المرتبة الأولى على مستوى المحافظة.. حصل على بعثة للدراسة خارج الوطن.. كيف جاءته مجتازة عقبة الواسطة, وعراقيل الفساد الإداري العابث بأحلام البسطاء؟!.. هل كانت ضربة حظ, أو ربما خطأ في الأسماء؟!.
بل كانت معجزة , وهبة ربانية لشاب حالم طموح متوثب لبلوغ المعالي..
مرت سنوات الدراسة في البلد العربي الشقيق سريعة, مملوءة بالسرور في عيش بذخ ببلد مترف بالعلم والتحضر وكماليات الحياة.. تزوج في ذلك البلد زميلة له في الدراسة بعد قصة حب عفيف.. تفوق وتفوق طوال سنين دراسته, حاز على إعجاب الجميع, تخرج بامتياز مع مرتبة الشرف..
جاءته عروض للبقاء والعمل هناك, غير أن حبه لوطنه وشوقه له, وتعاظم شعور انتمائه له, حال دون غلبة هوى الثروة الداعي له للبقاء مغترباً, وجعله يقاوم ميل الزوجة للبقاء في وطنها..
عاد الطائر المهاجر لوطنه مشوقاً متلهفاً لعناق كل ذرة هواء تتطاير في سماه, والالتصاق بكل ذرة تراب تعانق أرضه.. رجع فرحاً فخوراً بتفوقه, طرباً مختالاً, تزفه أحلام شتى بالتصدر والظهور والتمركز في منصب يليق بتفوقه وتفرد تخصصه ودرجته العلمية العالية..
بعد مرور عام؛ استحال لبقايا شمعة, لركام صرح تصدع, لهشيم نخلة نخرها السوس.. تمزقت أحذيته في سير طويل في ممرات المؤسسات الحكومية, وتكسرت أقلامه في كتابة سيرته الذاتية, وجفت محبرته من كتابة التظلمات تلو التظلمات.. صرخ بأخر أنفاس الأمل المقتول في جوفه: أنا عدت من أجلك وطني لأبنيك وأنهض بك.. لماذا تمر الأيام وأنا قابع بلا جدوى, لاهث بلا ثمرة شاك ولا مستجيب؟!.
مرت سنوات عدة وهو أسير للإحباط, مكلوم هو وزوجته وصغاره في إحدى الغرف الضيقة بمنزل أسرته الكبيرة.
أخيراً قرر الخروج من أسر الفشل والإحباط والتخاذل.. عمل في مهن شتى.. نسي دراسته.. انتزع شهاداته المعلقة على الجدران ورمى بها في ظلمات صندوق عتيق..
فجأة بدت عليه أثار الثراء, انتقل بأسرته لبيت واسع, اقتنى سيارة..
وفي فجر يوم ليس ببعيد جاءت النهاية المأساوية, هاجمت الشرطة مقر عمله.. ألقي القبض عليه بتهمة ممارسة النصب..
مضى منكسراً إلى سجن في وطنه, يرسم خاتمة طموحه, يلفه خزي الخيانة, بعدما تهاوت كل قيمه وسحقت في أعاصير فساد غلف وطناً أضحى يقتل في أبنائه الإنسان المنتمي, المحب لهذا الوطن..
نبيلة الوليدي
مأساة شاب!! 1385