تثبت الأحداث المتوالية يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وعقداً بعد آخر, أن الشعب يقف وحده في مواجهة كل أعاصير السياسة وطوفان الساسة المرعب وتناطح الأحزاب التي أثبتت فشلها الذريع في الانتصار للمواطن المغلوب على أمره وللوطن أيضاً رغم كل صهيلها المدوي وأجنداتها الصاخبة و التي لم تنتج منها إلا الجعجعة والعويل ولم نرَ منها طحناً أبداً.
ها هي جرعة مرار جديدة تدك أرواح هذا الشعب البائس دكّاً وهو يقف في مواجهة مدّها الهادر مبتور الروح بهموم تتناسل وبعين كسيرة وبيد عاجزة تماماً وبهموم تتوالى وتقتل ما بقي لديه من نبض يقاوم الاحتضار؛ باحتضار أشد وأكثر إيلاماً ومعاناة.
في التصريحات الحكومية نسمع عن مبررات كثيرة جداً, مفادها أن هذه الجرعة الهدية التي أهدتها الحكومة للشعب في العيد ومفادها؛ أنها في مصلحة الشعب والوطن وانها ستدر على خزينة الدولة الكثير من الأموال المُهدرة, وان الغرض منها تجفيف منابع الفساد والذي من ورائه سيحل علينا الخير الكثير وستتمكن الدولة من إصلاحات اقتصادية واجتماعية عديدة من شأنها تعديل واقعنا البائس وإنقاذنا من حالة الانهيار والتدهور الذي نعيشه, بينما كل حزب يجيش من جهته حفاظاً على مصالحه لا انتصاراً لهموم وطن.
كل هذه التصريحات نسمعها لكننا نخشى ما نخشاه أن تكون مجرد بيع سمك في ماء وسراب يحسبه المواطن المهموم واحة غنّاء لأننا وعلى مدى عقود كثيرة كان المواطن هو المطية وهو الحائط المائل الذي تُرمى على رأسه كل أخطاء الساسة وعثرات وقبح السياسة والمسئولين الذين بلا مسئولية.
وكأن الإصلاحات وتجفيف منابع الفساد لا يكون إلا بالتضييق على المواطن البسيط في لقمة عيشه ومعاشه دون أن يمس الفاسدين الحقيقيين أدنى مساءلة أو تضييق وكأن خزينة الدولة لن تمتلئ إلا من معاناة البائسين وأنين مهجهم المكدودة ليظل الكادح أكثر كدحاً والفاسد أكثر نعيماً وأمناً.
إن كانت الحكومة صادقة في نواياها فثمة الكثير من الإصلاحات التي يفترض بها أن تبدأ تشمل إصلاحات اقتصادية أكثر منطقية؛ منها الازدواج الوظيفي للمسئولين والوزراء وتقليل المكافآت والسفريات والمرافقين والحد من الإنفاق العشوائي والعبثي بأموال الدولة وتقديم الفاسدين والمختلسين والقتلة والمهربين للمحاكمة كي يقتص الوطن منهم على كل جرائمهم في حق الوطن وحق المواطن أمام المواطن. وتكون أكثر منطقية وصادقة في كل مبرراتها التي مازالت حتى اللحظة تدك وتدق بها على رؤوسنا طبول المعاناة وشظف العيش وتصلب فينا كل حياة كنا نتطلع إليها. فقد سئمنا بيع السمك في الماء.. وإن غداً لناظره لقريب وإنا معكم من المنتظرين.
سمية الفقيه
لا نريد بيع سمك في ماء!! 1358