يعيش الشباب في اليمن أزمة حقيقية شاملة متعددة الأبعاد، ويعود ذلك إلى الروافد الثقافية التي تحدد رؤيته واسلوبه في التعامل مع الواقع ونظرته إلي نفسه وإلى الآخرين أو يعرف إجمالاً بما اصطلح على تسميته بالوعي النفسي الاجتماعي ووعيه لذاته وبذاته ووعيه بالبيئة الاجتماعية والطبيعية والوعي الجمعي لعديد من مجتمعاتنا اليمنية.
أولى عناصر هذه الأزمة، أزمة العلاقة بين الإطار الفكري أو الوعي المنتوج من أيديولوجية الإسلام السياسي وبين واقع التغيير الاجتماعي بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية.
إن الاتجاه العام لدى الشباب في اليمن هو رفض الواقع المعاش بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية....إلخ ومن ثم أنهم يطالبون بالتغيير وهنالك علاقة وثيقة ما بين الرفض واتجاه التغيير المطلوب إذ أنها علاقة التفسير وفهم الأسباب أو تحديد اتجاه التغيير ورهنها بطبيعة الإطار الفكري الذي يرى من خلاله الشباب واقعهم ومهامهم المستقبلية وعلى ضوء هذه العوامل، ضرورة الاعتماد الكلي على العقل البشري لحلحلة مشاكله، والإيمان التام بأن الإنسان في مقدوره أن يعيد مجتمعه وترميمه دون أي تدخُّل لقوة خارجية فجائية أخرى.
يعيش الشباب واقعاً تتسارع فيه إيقاع التحول محلياً وعالمياً وتفرض رؤى عديدة وأنماط وقيم سلوكية واجتماعية متباينة تناقض موروثنا الثقافي المتنوع مما يثير خللاً أو اختلالاً وتوتراً وصراعاً.
الواقع المعاش في اليمن لا يلبي احتياجات الشباب ولا طموحاتهم، بل يجعلهم يشعرون بالعجز والقصور والإحباط .....إلخ والواقع العالمي يصدمه أو يلطمه كل لحظة وأخرى بما يفرضه من جديد أو من تيارات فكرية أو اجتماعية أو سياسية واكتشافات علمية.
هذه الفترة يمكن وصفها بأنها حقبة القهر المتصل والهزائم النفسية ،كما تتسم هذه الحقبة بعجز كل التنظيمات السياسية المعارضة بشقيها العسكري والمدني من جهة، ويقف الشباب ما بين سندان النظام ومطرقة الهزائم المستمرة ويقع الشباب في الفراغ أي ما بين سندانين يجعلهم يتطلعون لتغيير الواقع الذي يلبي رغباتهم.
مع ذلك لم تكن هناك خطة موحدة وموجه نحو التغيير لواقع الشباب اليمني لأسباب إعلامية، اقتصادية، وثقافية ،سياسية .على مستوى السياسي هناك قهر متصل له تاريخ طويل. ومن مظاهره الاستبداد السياسي والانفراد بالسلطة هذا ممّا أدى إلي قتل الهوية السياسية لدى الشباب.
وبُذلت جهود مكثفة من البعض لتحطيم حرية الرأي والتعبير مما أدى إلى تفتيت المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإفراز الشعور بالدونية وفاقم من مشاعر الإحباط وفجّر طاقات العدوان.
بهذا افتقدت مؤسسات الدولة دورها الخدمي وأصبحت تلعب دوراً ضعيفا من أجل الهيمنة الثقافية عن طريق ما تشيده من جامعات ومدارس ماهي إلا عبارة عن دعاية من أجل برمجة الأفكار عبر مناهج التعليمية المشوّه والإعلام المضلل الذي تهدف به إلى تغبيش الوعي الجمعي لإعادة الانتاج وفقاً لما ترغب, إذا تسألنا سؤالاً: ما هو الهدف من العملية التعليمية لدى الشباب في اليمن؟ هل تعني أنها الوسيلة التي يقتات منها الشباب فتكون أداته في التعامل مع الواقع وركيزة نظرته الوطنية؟ أنا في تقديري التنشئة التعليمية في اليمن عاجزة من حيث المنهج العلمي سواء كان في مجال التعليم التي تعزز الانتماء القومي ،أوفي مجال العلوم الإنسانية الأخرى. لأنها مصنوعة على هواء أصحاب السلطة ،لذلك فأحادية النظرة تؤكد نزوع الامتثال والتماثل وتضع حجاباً كثيفاً على كل ما من شأنه أن يؤكد أن حركة الفكر علي مدى التاريخ حركة الصراع أو حركة تباينات فكرية.
ويكرس مناهجهم إن الخروج من قاعدة الامتثال الفكري من كبائر الموبقات, ويعرف الطالب مبادئ الحرية الفكرية وأسس النهضة الاجتماعية والإنسانية. وأن جود تيارات فكرية مختلفة من خارج المنهج كأنه بصدد ارتكاب جريمة.
أصبح الشباب في اليمن ضحايا النظام التعليمي والتربوي الذي يربي الناشئ على الالتزام بالمنهج الايديولوجي ، وكذلك الإعلام يعمل علي تأكيد مبادئ الخضوع والتماثل والامتثال التي تعطل العقل من أجل خدمة النظام.
وهنا يعيش الشباب محنة يمكن أن نسميها بمحنة غسيل المخ ، وذلك يتمثل في كل ما تقدمه أجهزة النظام سواءً كان المرئية أو المسموعة أو المقروءة من برامج سياسية أو ترفيهية وعلمية لتأكيد رؤية النظام ، وتجريم أي اتجاه معارض، لإلحاح الشباب عن القضايا المصيرية حتى يغرقوا في ما يلهيهم عن ذلك ليتركوا المشاكل الرئيسية وليهتموا بصغريات الأمور وينسوا قضايا المستقبل.
*باحث ومتخصص بشؤون التربية الخاصة.
فارس قايد الحداد
أزمة الشباب في اليمن ..الواقع والمستقبل المجهول 1161