قيل بأن الانكليز اخترعوا كرة القدم فيما البرازيليون أتقنوها كحرفة وصنعة.. واقع الحال أن ما ينطبق على رياضة منشأها بريطانيا الامبراطورية العظمى وكان مستقرها أوطان بائسة فقيرة في القارتين اللاتينية والافريقية يتطابق أيضاً مع كثير من المجالات الحيوية التي لم تشذ عن قاعدة الاتساع وشمول التأثير والاستفادة من جل الاختراعات والفلسفات والصناعات, وحتى الثورات والأزمات التي بلا شك لم تعد مقتصرة على بلد بعينه وإنما تتسع دائرتها لتشمل دول الإقليم والعالم.
دعكم من عناء القنبلة النووية، ومن نظرية المؤامرة الغربية على المسلمين، ولننظر للمسألة من زاوية الرؤية الالمانية واليابانية والكورية، فثلاثتها بلا رؤوس نووية وبلا صواريخ عابرة للقارات، ومع تخلفها العسكري والنووي عبرت قارات العالم الست واستباحتها بصناعاتها ومنتجاتها ومبيعاتها.
أحياناً أجدني شاكراً الله على خلو أوطاننا من الطاقة الذرية العسكرية.. تصوروا مثلاً لو أن المجنون القذافي كان لديه سلاح فتاك كذاك الذي لم يكتب له النجاح وبقي مجرد مضغة في رأس العالم الباكستاني عبدالقدير خان؛ كان الزعيم سيستخدمه ضد شعبه ولا يبالي بتنديد أو استنكار.. الحاكم العربي إذا ما أحس بمهدد لكرسيه فانه لا يتورع عن استخدام النووي والكيماوي وسواهما، رأينا مثل هذه الجرائم في العراق وسوريا, فما كنا نظنه زمناً سلاحاً يقيناً شر الأعداء بات للأسف سلاحاً حاصداً لأرواحنا وتطلعاتنا وأحلامنا وحريتنا.
لن أحدثكم هنا أهمية القنبلة النووية ولا عن أهمية الصواريخ الحاملة للرؤوس الذرية أو عن الطائرات الشبح؛ فكل هذه الترسانة الحربية مضارها علينا أكثر من نفعها.. لذا سأصرف نظري عنها كي أحدثكم عن ابتكارات علمية ناجعة، وعن صناعة ونهضة وتنمية يمكن تحقيقها على الطريقة العولمية المبتكرة المفتوحة التي اهتدت لها عديد من الأمم الناهضة في الحاضر, فهذا "جوجل " بدأ مسيرته العولمية من جراج صديقه للطالبين المخترعين لمحرك البحث الذي بات اليوم وبعيد مدة وجيزة لانطلاقه سنة 98م يضاهي أكبر دولة خليجية نفطية بموازنته ومبيعاته وتأثيره وعائداته الضخمة التي تجاوزت مئات المليارات من الدولارات.. وهذا موقع التواصل "فيس بوك" الذي لم يتعد انطلاقته كفكرة ارتقت به من مصاف التواصل الضيق لطلاب مدرسة إلى فضاء عولمي بضعة أعوام ومع ضآلتها بات الموقع وصاحبه شركة بثروة كافية لإطعام فقراء أفريقيا وآسيا ولسنة كاملة شاملة السمك والحليب والمرطبات.. "الواتساب" هذا التطبيق المخصص للهواتف الذكية عمره قصير جداً وبرغم حداثته تجد انتشاره مخيفاً ومذهلاً, وخاصة بين فئة الشباب الذين يعدون الشريحة الاكبر والأكثر استخداماً لتطبيق التواصل..
وهكذا دواليك من المخترعات الالكترونية التي لا تعرف وطناً أو حدوداً أو هوية أو لغة، فما من تقنية جديدة تعلن عنها شركات آبل أو سامسونج أو مايكروسوفت أو بلاك بيري إلا وتجدها في متناول يدك وأين كنت؟.
وتلكم "فلندا" التي كان الكثير يجهلها إلى أن ظهر للوجود أول هاتف محمول ماركة "نوكيا", وكذلك قطر الإمارة الصغيرة التي لم تكن ثروتها النفطية والغازية كافية لشهرتها مثلما هي عليه اليوم وبفضل شبكة " الجزيرة " وما أحدثته في مضمار الإعلام والاستثمار..
وتلكم دجاج "كنتاكي" ومخترع طبختها جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي؛ فمن وجبة سفري تطبخ بمنزل وتتوزع في طريق عام إلى طبخة في مطعم مجاور, إلى مطاعم في الولايات, إلى دول العالم قاطبة..
وتلكم سجاجيد إيران وتركيا وتلكم ساعات وشكولاتة سويسرا وهنالك الكثير من المنتجات التقنية والسلعية التي لا تشترط في ولوج سوقها سوى الاتقان والحاجة.. كان العنب اليمني يوازي شهرة البلح العراقي والزيتون الشامي، كما وكان البُن اليمني سلعة رائجة تجول اصقاع الدنيا.. اليوم الثوم ومعوز القماش وواقية الشمس وحتى عود الأسنان من الصين.
ما من فكرة مبتكرة وناجحة إلا وعدت في الزمن الحاضر ابتكاراً عولمياً تتلقفه كبريات الشركات والمؤسسات المشتغلة في مضمار البحث والتنقيب والترويج والتسويق التجاري!, وما من موهبة رياضية أو فنية أو علمية، وما من قناة وفنان وشاعر بمواصفات وطنية ومحلية مثلما كان سائداً في الحقب المنصرمة!..
فما من مخترع لتقنية أو تطبيق ما في الهند أو جيبوتي إلَّا وتجد مخترعه في متناول المستخدم للحاسوب أو الهاتف الذكي وأين وجد على ظهر هذا الكوكب البسيط المتواضع إلَّا من فعل إنسانه وطموحه الذي لا يبدو انه سيكتفي بما حققه من اكتشافات واختراعات علمية وتقنية ومعرفية بلغت به فضاءات كواكب المجرة الشمسية.
محمد علي محسن
ثومة وزبيب من الصين!! 1768