ما أسرع مرور الأيام، وذهاب الأوقات، وخاصة الأوقات الطيبة السعيدة، وما أسرع انقضاء رمضان.. في الأمس كنا ننتظر رمضان، ونحتفي بحلوله، واليوم نودعه ونحن بلا شك نشعر بالحزن والأسف على ذهابه، كما أننا نشعر بالأسف لأن هذه الأيام مرت أيضا من أعمارنا ولن ترجع أبدا، غير أننا يمكن أن نتسلّى ونتصبر على ذلك إذا كنا قد قدمنا فيها خيرا، وإذا كان رمضان قد ارتحل وذهب شاهدا لنا بالخيرات والصالحات لا شاهدا علينا بالسيئات وضياع الأوقات والتخلف عن الخيرات، وأن يكون قد ارتحل بذنوبنا وسيئاتنا، وقد أعطانا شحنة قوية من الإيمان والخلق الحسن تعيننا على العيش الصالح في هذه الدنيا المليئة بالشهوات والزينات.
هذه طبيعة الدنيا، انتهاء بعد ابتداء، وتفرق بعد التقاء، ونقصان بعد اكتمال، وحياتنا سوف تنتهي في يوم قادم لا نعرف وقته، لكن الله قد حدّده فقال (( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين )) (( إلى أجل مسمّى ))، وبعدها سوف نترك الدنيا ويحملنا أحبّ الناس إلينا إلى القبر أول منازل (أماكن ) الآخرة، سوف نترك الدنيا بكلّها ونرجع إلى الله كما جئنا إلى الدنيا، ولن نأخذ منها إلا ما فعلناه من عمل صالح، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله، ويبقى عمله))..
تعب العبادات يذهب، ونصب جهاد النفس ونهيها عن الهوى وإقامتها على طاعة الله ينسى، ويبقى الأجر، لنسأل أنفسنا أين تعب الصيام والقيام والعبادات التي عملناها في رمضان؟! لم يبق شيء، كله ذهب، وبقي الثواب، كما بقيت الفرحة في قلوبنا لطاعة الله، والرجاء بأحسن الثواب يوم القيامة، يقول تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، ثم لنسأل أنفسنا: أين ذهبت لذة أولئكم الذين أفطروا في رمضان فأكلوا وشربوا وشبعوا وناموا واستمتعوا بزينة الدنيا في معصية الله ؟! لقد ذهبت و زالت ، وبقي الإثم مكتوبا عند الله.. وبقيت الحسرة في قلوبهم، وبقي العذاب المهين في الآخرة إن لم يتوبوا أو يشاء الله شيئا..
أحمد الفهد
وداعاً رمضان!! 1190