يقول تعالى: {وهو الذي يَقْبَل التوبة عن عبَادِهِ ويعفو عن السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ ما تفعلون} (25) الشورى.
إن هداية القلب أساس كل هداية ومبدأ كل توفيق وأصل كل عمر و رأس كل فعل , فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
فصلاح قلبك سعادتك في الدنيا والآخرة، وفساده هلاك محقق لا يعلم مداه إلا الله عز و جل، يقول الله عزو جل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُو شَهِيدٌ} (37) سورة ق، ولكل مخلوق قلب..
والقلوب قلبان؛ قلب حي نابض بالنور مشرق بالإيمان ممتلئ باليقين عامر بالتقوى، وقلب ميت مندثر سقيم فيه للخراب والدمار.
يقول سبحانه وتعالى عن قلوب المعرضين اللاهين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مرضا ولهم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كانوا يكذبون} (10) سورة البقرة، وقال تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} (88) سورة البقرة، وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أ مْ عَلَى قُلُوبٍ أ قْفَالُهَا} (24) سورة محمد.
وقال عنهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَل إِنَّنَا عَامِلُونَ} (5) سورة فصلت.
فالقلوب تمرض ويطبع عليها، وتقفل وتموت.
إن قلوب أعداء الله عزو جل معهم في صدورهم، ولكن لهم قلوب لا يفقهون بها، لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)).
قلب المؤمن يصوم في رمضان وغيره وصيام القلب يكون بتفريغه من المادة الفاسدة من شركيات مهلكة، ومن اعتقاد باطل، ومن وساوس سيئة، ومن نوايا خبيثة، و من خطرات موحشة.
قلب المؤمن عامر بحب الله، يعرف ربه بأسمائه وصفاته، كما وصف سبحانه وتعال بنفسه، فهذا القلب يطالع بعين البصيرة سطور الأسماء والصفات، وصفحات صنع الله في الكائنات، ودفاتر إبداع الله في المخلوقات.
وقلب المؤمن فيه نور وهاج لا تبقى معه ظلمة، نور الرسالة الخالدة، والتعاليم السماوية، والتشريع الرباني، أيضا فهذا إلى نور الفطرة التي فطر الله عليها العبد، فيجتمع نوران عظيمان: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَل نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَاد زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْلَم تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي ا للَّه لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُا للَّهُ الْأَمْثَال لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (35) سورة النــور.
قلب المؤمن يزهر كالمصباح، ويضيء كالشمس، ويلمع كالفجر، يزداد قلب المؤمن من سماع الآيات إيمانا، ومن التفكر يقينا، ومن الاعتبار هداية.
قلب المؤمن يصوم عن الكبر لأنه يفطر القلب، فلا يسكن الكبر قلب المؤمن لأنه الحرام، والكبر خيمته ورواقه، ومنزله في القلب، فإذا سكن الكبر في القلب أصبح صاحب هذا القلب مريضاً سفيها، وقيما أحمق، ومعتوها لعابا.
يقول سبحانه كما في صحيح الحديث القدسي ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعنى فيها عذبته))، وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من تكبر على الله وضعه، ومن تواضع لله رفعه)).
وقلب المؤمن يصوم عن العجب، والعجب تصور الإنسان كمال نفسه، وأنه أفضل من غيره، وأن عنده من المحاسن ما ليس عند الآخرين، وهذا هو الهلاك بعينه، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ثلاث مهلكات: إعجاب المرء بنفسه، وشح مطاع، وهوى متبع)).
ودواء هذا العجب النظر إلى عيب النفس، وكثرة التقصير، وآلا فالسيئات والخطايا التي فعلها العبد، واقترفها ثم نسيها، وعلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي.
وقلب المؤمن يصوم عن الحسد، لأن الحسد يحبط الأعمال الصالحة، ويطفئ نور القلب، ويعطل سيره إلى الله تعالى.
يقول سبحانه: {أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُم اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتينا آلَ إِبْرَاهِيم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سور ة النساء.
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض))،حديث صحيح.
أخبر عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات عن رجل من أصحابه أنه من أهل الجنة، فلما سُئل ذاك الرجل بما تدخل الجنة؟ قال: لا أنام وفي قلبي حسد أو حقد أو غش على مسلم.
محمد سيف عبدالله
صيام الجوارح..القلب 1333