بدأ العد التنازلي للعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك الذي رغّبنا النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أن نكثف الاجتهاد بالعبادة فيهن وخاصة في ليالي الأوتار فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.
شهر رمضان يعمل على تغيير حياة المسلم من السلوك السلي إلى السلوك الإيجابي في كل جوانب الحياة وصيام رمضان ليس امتناعا عن الطعام والشراب والشهوات بل نراه شهرا يرتقي بالروح ويجعلها شفافة مستعدة لمعرفة الله تعالى معرفة حقيقة وهناك أنواع عديدة للصوم عند أهل الله منها الصم عن الذنوب والصوم عن الغيبة والصوم عن النفاق والصم عن البهتان والصوم عن الحسد والصوم عن النظر الحرام والصوم عن تخريب البلاد وهناك صيام الجوارح إلى غير ذلك من الأنواع وكلها تجعل حياة الإنسان في صوم روحي دائم فليس الصيام أن تترك الطعام والشراب فقط وإنما الصيام أن تترك الذنوب والمعاصي, فالصيام صيام الجوارح لتنمية الجوانب الروحية.
في التجربة الروحية نجد تأكيدا ملحا على الجوارح أكثر من سواها فالباحث محمد غازي عرابي مثلا عبر عن الصوم في كتابه" النصوص في مصطلحات التصوف " بأنه" فطم النفس عن شهواتها وهي حاجة ملحة لخروج النفس من قمقمها المادي بمعنى كسرها إياه لا بمعنى المفارقة " والوصم عماد الدين بعد الصلاة، فهو توأمها ورديفها الثاني، فمن دون الصوم لا يمكن للبعد أن يغير حياته إلا من خلال التمارين على ترك العادات السلبية ورمضان هو الموسم المناسب لترويض النفس على عمل الصالحات وترك المنكرات.
من المميزات التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على هذا الشهر الكريم فرضية الصيام قال تعالى" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منك الشهر فليصمه".
يسن فيه صلاة التراويح والإكثار من النوافل والدعاء يقول الله تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب" ويقول في آية أخرى "واسجد واقترب" وهذا يعنى أن من يريد القرب من الله عليه بكثرة السجود.
الكثير من المسلمين للأسف يضيعون أوقاتهم في شهر رمضان أمم شاشات التلفزة لمتابعة الأولمبياد أو المسلسلات والفوازير ونهار رمضان يضيع في النوم.. ما عرفناه في السابق أن شهر رمضان هو شهر الجهاد والعمل والتوبة والعبادات والقرب من الله تعالى. فقد وقعت في رمضان عدة غزوات ومعارك نذكر أشهرها وأعظمها من ذلك:
ـ غزوة بدر وكانت في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة
ـ فتح مكة كانت في العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة
ـ معركة القادسية كانت في رمضان سنة خمسة عشر للهجرة بقيادة سعد بن ابي وقاص
ـ فتح بلاد الأندلس كانت في رمضان سنة 92 هـ بقيادة طارق بن زياد
ـ معركة الزلاقة وفي في جنوب دولة اسبانيا حاليا كانت في سنة 479هـ
ومعركة عين جالوت كانت في رمضان سنة 685 بقيادة السلطان قطز.
للأسف شباب المسلمين منشغلون بالتصفيات الرياضية.. شهر رمضان المبارك ينشر المحبة والتصالح بين الناس وبين الله تعالى وإذا ما تحدثنا عن الحب في الله فالحب في الله يتطلب أن يبحث المرء عن الآخر الذي يمكن أن يحبه كما لا يتطلب منه أن يعرف كيف يمكن أن يكون محبوبا من قبل الآخرين وإنما تتطلب منه أن يعرف كيف يكون قادرا على المحبة.. لأن المحبة في الله قوامها العطاء الأهلي بقية القرب والمعرفة هذا السمو الروحي للمؤمن يميزه عن بقية الخلق، فالمؤمن الصالح يجب الله, لكن هذا الحب تغلب عليه الصفة النفعية، فهو يطيع الله ليدخل الجنة ويسلم من النار أما المخلصون في حبهم لله فقد جردوا الحب من هذه الصفة النفعية فجعلوه حبا خالصا لذات الله بغض النظر عن رداء الثواب والخوف من العقاب.. فكيف نترجم هذه المحبة من خلال الأفعال خاصة ونحن على أعتاب الثلث الأخير من رمضان والتي فيها ليلة القدر( ليلة القدر خير من ألف شهر)؟
سبحانك يا منتهى أمل الآملين ويا غاية سؤال السائلين ويا أقصى طلبة الطالبين ويا أغنى رغبة الراغبين، سبحانك يا ولي الصالحين، سبحانك يا أمان الخائفين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا ذخر المعدمين، يا كنز البائسين، يا غياث المستغيثين، يا قاضي حوائج الفقراء والمساكين.. ها نحن بباب كرمك واقفون ولنفحات برك متعرضون، وبحبلك الشديد معتصمون، نسألك اللهم أن تكتبنا من عتقاء هذا الشهر الكريم.
عبدالمجيد السامعي
الصيام والتنمية الروحية 1303