منذ أن انزلق اليمن قبل ثلاثة أعوام في أزمة الصراع على السلطة تسارعت الأحداث في هذا البلد بصورة غريبة ومذهلة بما ينذر بمشاهد مستقبلية سيئة ومحملة بالانهيار في ضوء استمرار الانقسامات الحادة والحروب المفتعلة والاضطرابات السياسية والامنية التي صارت أكثر استعصاءً على الحل بفعل الغيبوبة التي يعاني منها اليمنيون وإخفاق السلطة الانتقالية في إعادة بناء الثقة بين كافة الفاعلين السياسيين وحشد المجتمع في اتجاه مناصرة ومساندة المشروع الوطني الذي جرى التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني وتعميق روح المصالحة الوطنية التي أصبحت ضرورة لسد أي فراغ قد تملؤه المشاريع التي لا تريد لهذا البلد التعافي من أمراضه وتجاوز إخفاقاته واحتقاناته.
أعتقد أن كثيرين داخل اليمن وخارجها يشعرون اليوم بقلق بالغ تجاه ما يجري على الساحة اليمنية, فنحن بصدد دولة تسير بغير هدى تتضخم فيها المشكلات في كل جانب, فمن الانشقاقات المتأتية عن الانسداد السياسي, مروراً بأنشطة تنظيم القاعدة الارهابي, وانتهاءً بالتمدد الحوثي والذي وصل به الغرور والاستهتار بالدولة الى السيطرة على مناطق ومحافظات بقوة السلاح؛ لتتمحور آخر غزواته في إسقاط محافظة عمران القريبة من العاصمة صنعاء.. ولا ندري تحت أي ظرف وبأي وجه وضمن أي منطق يخوّل لجماعة مسلحة السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي اليمنية في ظل دولة لازالت قائمة أو هكذا يفترض.. وهذا التصرف الذي لا يستوعبه عقل ولا يهضمه منطق لا يمكن أن تبرره رغبة الحوثيين بكسر شوكة خصومهم في قبيلة حاشد وكذا التجمع اليمني للإصلاح؛ لكي يقوموا باقتحام محافظة عمران والاستيلاء على مؤسسات الدولة العسكرية والخدمية والأمنية في أعقاب صراع واقتتال دام لعدة اشهر ولّدته القطيعة التي تفصل بين هذه القوى وبما جعل من حالة التهدئة التي عاشتها البلاد أثناء فترة الحوار العام الماضي ليس أكثر من مسألة إجرائية سرعان ما تم نقضها بمجرد اختلاف مصالح هذه الأطراف التي برهنت بمواقفها أن آخر ما يهمها هو مستقبل اليمن واستقراره وسلامته.
الواقع أنه لم يعد في اليمن سلطة واحدة تسير الأمور في البلاد بل غدت هناك العديد من الجهات والجماعات التي تمارس سلطة الدولة, حيث نجد إلى جانب السلطة الشرعية المنتخبة من الشعب سلطة الأمر الواقع التي تفعل ما يحلو لها؛ لأنها من تمتلك السلاح وهي سلطة وإن كانت لا تجتمع في جهة واحدة بل تتشكل من عدة أطراف, كل طرف منها يفعل ما يشاء, فمن يقتحم المدن والمناطق ويفرض سلطته عليها ومن يفجر أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء بهدف تركيع الدولة وابتزازها.. إلى من يفرض نفسه وصياً على هذه الشريحة او تلك من اجل الحصول على بعض المطالب غير المشروعة لتصبح هناك جماعات خارج سلطة الدولة ومدن ومحافظات لا نفوذ للدولة عليها بعد أن اختطفت من جماعات الحروب والمليشيات المسلحة والتي صار كل منها يعمل ما يريد بعد أن افتقدت السلطة الشرعية القوة الحقيقية التي تمكنها من بسط سيطرتها على أرض الواقع وتنفيذ برامجها بقوة القانون والدستور.
لقد أخطأ اليمنيون في حساباتهم عندما راهنوا على المجتمع الدولي لتحقيق معجزة الاستقرار في بلادهم ولم يقرؤوا بشكل صحيح تجارب الآخرين في هذا الشأن حتى يدركوا أن حل المشكلة اليمنية لن يتم إلا من خلال اليمنيين انفسهم وأنه لا مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة يمكن لهما إيقاف الحروب العبثية التي يشهدها هذا البلد أو الإتيان بوصفة سحرية لمعالجة تعقيدات الملف اليمني الشائك وان خروج اليمن من دوامة العنف والاحتراب والفتن العمياء والصماء يبدأ بتصالح اليمنيين مع انفسهم في اطار توافق وطني بين مختلف التيارات المتناحرة.. وهي مهمة وإن بدت غير سهلة, فإنها ليست صعبة أو عصية على التحقق إذا ما احتكم الجميع الى منطق العقل ومصلحة اليمن.
ــــــــــــــــــــــــــــ
عن "الرياض" السعودية.
علي ناجي الرعوي
اليمن..وحروب تركيع الدولة!! 1663