القراء الكرام لنقف مع أنفسنا وقفة تأمل وتقييم ومراجعة لأحد أهداف الصوم وهو هدف لكل العبادات، وغيابه وضعفه هو سبب لمانحن فيه من مماحكات، ومناكفات، وفرقة وشتات، ولهذا نحن بأمس الحاجة إلى إحياء وتجديد الروح الأخوية, الإسلامية, الجماعية المؤسسية، والتي تعتبر من أهم أسباب قوة الفرد والمجتمع معا، وأهم سبب للسعادة في الدنيا والآخرة، وأظن أن القراء لا يجهلون الأسباب التي أوصلتنا في العالم العربي عموما وفي اليمن خصوصا إلى ما نحن فيه من فرقة وتمزق فالحوثيون وجدوا سوق الفرقة مثمرا، وتنظيم القاعدة الوهمي أو الحقيقي كذلك، والغلاء الذي يطحن المواطنين طحنا، واللف والدوران في معاملاتنا المختلفة، وهنا لو سألنا الشعب اليمني ما هو السبب لقال بصوت واحد التفرد والأنانية والاستبداد والدعم الخارجي لتمزيق اليمن، ورفض ومقاومة الروح الجماعية المؤسسية والسير خارج إطار الدستور ومؤسسات الدولة، ووجود تحكم العقل الجاهل العسقبلى العصابي المتخلف، ولا ننسى بأن الله أخبرنا بأن ما من خير وتعاون ومحبة ورحمة ونجاح وفضيلة يتعدى نفعها وخيرها إلى الناس إلا وراءها رجال ونساء انضبطوا بالعمل الجماعي المؤسسي، وتخلو عن أنانيتهم وأشخاصهم لصالح الجماعة، ولهذا القاعدة العلمية تقول [هناك علاقة طردية بين وجود مؤسسات دولة تحترم وتمنع تحكم الأفراد وبين وجود الاستقرار الأمني والنفسي والمعيشي]، وكذلك كلما ضعفت مؤسسات الدولة وتحكم بها الأفراد لخدمتهم كلما لجأ الناس إلى القوة والنهب وقطع الطريق والتمرد لأنهم فقدوا الثقة بمؤسسات الدولة وهذا حالنا في اليمن لا يخفى على أحد، ولأهمية الروح الجماعية جعل الله سبحانه كل العبادات المفروضة تهدف إلى تحقيق المجتمع التعاوني التكافلي المنظم، فالصلاة والزكاة والحج والصيام والجهاد الشامل تهدف إلى تنمية الروح الجماعية في أفراد المجتمع، إن الله تعالى أخبرنا بأن المجتمع يمثل نفسا واحدة وأي اعتداء عليها هو اعتداء على الأمة كلها قال تعالي { مِنْ أ جْل ذَلِكَ كتبنا على بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِنَفْسٍ أَوْفَسَا دٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَن مَا قَتَل النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أ حْيَاهَا فَكَأَ نَّمَاأَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة : 32).
وقد ذكر الله آيات الصوم من الآية 183 إلى 187، واختتم الآيات بالآية 188 وهي { وَلاَتَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل وَتُدْ لُواْبِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّن أمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة : 188).
إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا وحذرنا بأن سبب ضعفنا وكثرة الفتن فينا هو وجود التسلط الفردي على الأمة وغياب الروح الجماعية المؤسسية، وكذلك سبب الفتنة أن المسلمين يجدون النظام والقانون والروح الجماعية المؤسسية في بلاد غيرهم، في أوربا وأمريكا وإسرائيل عند اليهود والنصارى والبوذيين والهندوس، وبهذا قال تعالى:{ وَالَّذينَ كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفساد كبير} (الأنفال: 73).
ولو تساءلنا بعقل موضوعي واعي لماذا هناك دول متطورة ومنتجة ومستقرة سياسيا ولها أكثر من مائتي سنة، فلا صراع ولا حروب داخلية، ولا اقتتال على السلطة، ولا لف ولا د وران، ولا تزوير للانتخابات، ولا حاكم يحكم حتى يخرف، و لا توريث الأبناء للسلطة والثروة، وهناك دول غير مستقرة، وللأسف معظمها في العالم الإسلامي والعربي، فنجد فيها صراعا وفرقة، وكذبا وكهنوتا سياسيا يوظف الكهنوت الديني، وتزوير، ونهب لثروة الأمة، وحرب أهلية وفقر وغلاء للأسعار، وانتهاك لحقوق الإنسان، والسبب واضح وجلي، فالدول المستقرة شعوبها تحترم المؤسسات الجماعية وتقدس النظام والقانون ولا مكانة عندهم لطغيان فرد أو حزب أو أسرة، ولا أحد فوق القانون والشعوب تحاسب حكامها إن أخطأوا، بل إن الانتخابات في أمريكا أفرزت رجلا أسود صوت له البيض هلا.. سنعقل.. اللهم تقبل صيامنا.
محمد سيف عبدالله
الروح الجماعية النظامية ثمرة لأهداف الصيام 1352