■ ما تزال الأقدار مختبئة، فلم يتضح شيء غير الغموض حول مستقبل اليمن. "أنصار الله" على أبواب صنعاء و"أنصار الشريعة" يتحركون على الجغرافيا الجنوبية، ذهاباً وجيئةً برشاقة قلَّ نظيرها، رغم العمليات العسكرية ورغم الدرونزات الأمريكية. أينما وليّت ناصيتك تجد حروباً كثيرة وبؤساً اقتصادياً ولا أفق يحمل الأمل الحقيقي لأهل هذا البلد.
سيكون النزاع الأكبر في اليمن مشتقّاً بجدارةٍ من الصراع الرئيس في عالم العرب، صراع تحت صليل الطائفية والتطرف، يمتد ويتعمق بشكل مخيف.. خاصة والمنطقة العربية تشهد حروباً متصاعدة، ودولاً تتشظى ، وأمةً تتمزق، وكيانات تظهر، ورعباً "هولاكوي"، وربما في المحصلة (نيو لوك) لسايكس بيكو. إنَّ بقاء اليمن حيَّاً ولو سريرياً هو باجتهاد خارجي، خوفاً على الجارة الكبرى، المملكة السعودية، التي باتت الوجهة الأكثر حيوية للخلافة الاسلامية الزاحفة على الحدود القديمة. ومهمَّة اليمن الآن هي الا يسقط فيسبب تهديداً مباشراً لجيرانه من زوايا عدة. إنها مهمة صعبة على اليمن، فعدم السقوط فرضٌ لا يستهان به في بلد بلغ من الهشاشة ما يمَكّنه من الخلاص من عبء الذات والحياة، ولديه عبقريات فذَّة في تجسيد السلوك الانتحاري كما نرى، فهناك إصرار لا رجعة عنه، على تعميق الأزمات.
أمّا الاقتصاد فهو المؤرِّق الأكبر لأنك أينما تقلب الطرف تجد ضموراً حقيقياً، فإنتاج البترول الذي يوفر اللقمةَ النحيلة الشحيحة افتراضياً يشهد هبوطاً واسعاً ومتسارعاً وأكثر مما يتصوره أحد (مجمل الانتاج لا يتعدى الآن 40٪ من أعلى سقف أنتجه اليمن في النصف الأول من العقد الماضي)، ولا أمل في حدوث أيّ اكتشافات جديدة مهمّة في هذا العقد، عدا في مكان محدد ومؤجّل بدون قرار،، ولا توجد بيئة سياسية لقبول قرارات صعبة إسعافية تحرك مياه هذا القطاع الراكدة، فالأطراف الحاكمة كلٌّ منها يسنُّ خناجره للآخر.
كما أنَّه لا يوجد أيّ قطاع اقتصادي يُعتَدُّ به غير النفط والغاز الآن وفي المستقبل المنظور، فالاقتصاد يسير بالبركة اليسيرة، والفقر ينبت على الأرصفة وينتعل الناس ظلالَ البؤس الذي يتوسع ليُبقي فقط على طبقة الأسياد من رجالات الاعمال والدولة والقادة وشيوخ القبائل. الغريب في المشهد أن أحداً لم يعد يتغنّى بمخرجات الحوار بحسٍّ مرفوع هذه الأيام غير بعض أهل الجنوب، بعد أن تفجر عندهم الإبداع السياسي فجأة وانهال عليهم الوحي على قاعدة أن السياسة تلزمك احياناً بما لا تقبل به، وهي قاعدة تعمل بشروط ظرفية. لكن المرئي والمسموع يشير الى أن تعامل البعض كالعادة لا ينطوي على سياسة مفهومة على الأقل، وربما يلبَسهم المنطق التالي: إن لهم حقا على صنعاء في عهد مضى ولصنعاء حق عليهم في عهد أتى، وهي معادلة أقرب الى الأعراف العفوية للعربان الأوائل منها الى السياسة الحقيقية. أما بالنسبة لمواقف صنعاء السياسية (خارج أدبيات الحوار) تجاه القضايا الكبيرة، فلن يكون هناك جديد سوى تنويعات على الأصل ذاته الذي عهدناه منذ زمن، فلا شيء يسود الآن غير النزاعات العنيفة التي أنشبت أظفارها في حنجرة البلد وستجبر القوى على أن تلقي (كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ).
اليمن الآن بِرْكة لأسماك فتَّاكة والويل لمن هو صغير، وهناك صراعات قوية لا يمكن حلها بالوساطات ولا (الهدنات) ولا التبريد، فمن يرى في عمق المشهد يدرك ان الأطراف تعدُّ نفسها لمرحلة قادمة ربما تغير صورة اليمن الحالي بشكل حاسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن القدس العربي.
أحمد عبد الله
في اليمن لا يتّضح غير الغموض 1081