فقدنا الهوية والإنسانية.. فقدنا الولاء المطلق لثرى هذا الوطن.. فقدنا التآخي وغادرتنا الروح المُطمئنة إلى أصقاع موحشة من الخوف والتوجس والشك حتى في أنفسنا وفيمن حولنا صار القتل والنفس الغاضبة المتشنجة أكبر أسلحتنا لترجمة مكنون نفوسنا.. ابتعدنا كثيرا جدا عن إنسانيتنا الُمداسة تحت أقدام البشاعة والرجوع لزمن الغابة ولمبدأ القوي يفتك بالضعيف ويغتال كل بريق لنا للسلام والانعتاق.
حَكَمَتنا العصبية والجهالة والتعصب الأعمى الذي استولى على كل تفكيرنا وعقولنا ولم نعد نُحَكِم العقل والضمير في شيء وتنازعنا نخاسون لا يراعون في هذا الوطن إلاً ولا ذمة.
إنما- ورغم كل ما يحدث لنا من نكبات ومآسي في واقعنا اليوم- إلا أن أروع شيء حدث وأقر به معظم اليمنيين, تقريبا, أن انتفاضة الشعب على وطن منهوب كانت مشروعة جدا وقام بها شعب كادح إنما مَنْ استفاد منها هم النخاسون, وهذا بحد ذاته إنجاز يُحسب لهذا الشعب المغبون حد القهر, فليس من السهل أن نتفق على شيء واحد واتفقنا على ذلك وفعلا رب ضارة نافعة وربما هذا الاتفاق سيقودنا ذات صحوة أن ننتفض بثورة مغايرة يقودها شعب مُذل ومُهان ومُجوع على من أستغل طيبته ولكن بشرط واحد هو أن يتنحى منها كل أوباش السياسية ونخاسوها.
وجميعنا أيضا نعترف وبيقين تام بأن الأزمات ليست بجديدة على بلدنا وليست المكايدات بغريبة عليه بل إنه وعلى مدى التاريخ الطويل قد مر بأحداث قاتلة استطاع التغلب عليها والخروج منها معافى ولم ينكسر أو ينحني غير أنه في الوقت الراهن يمر بأخطر مراحله وعلينا تَوَقُع الأسوأ تالي الأيام المقبلة وذلك يجعل هاجس الخوف ينتابنا كلما رأينا وجوها نتنة وأقنعة تُكَشّر عن خبثها وتنشر نيران الكراهية كل مكان وتوغل النفوس وتَبُخُ فيها سموم العداء الكبير لأبناء رحم واحد, سموم باعدت بين أرواح ما عادت متقاربة كلما اشتكى منها عضو تألمت باقي الضلوع بل صار البعض يبحث عن مواطن الوجع ويدوس عليها بوحشية ليزيد فيها الأنين وصرخات وجع على جراح نُكئت واتهامات كيلت ودماء أريقت دونما وجه حق.
هذه هي يمن اليوم يتنازعها المرتزقة والعابثون ويموت فيها الضعفاء, هذه هي يمن اليوم ينهشها أصحاب الأقنعة ورخيصي الذمم ومنعدمي الولاء ويُسحق فيها المساكين.
هذه هي السعيدة التي أصبحت تستيقظ على صباحات ذابلة مُطفأة الأمل كثيرة النواح.
فمن كان يصدق أنه سيأتي يوم يكون فيه الدم اليمني رخيصا إلى هذه الدرجة؟ من كان يصدق أنه سيراق تحت أحذية الجلادين غير مأسوف عليه؟ من كان يصدق أننا سنسير على نهج الهدم والسفه والعداء؟ من كان يصدق أن شعبنا الكادح من يجري بعد اللقمة وشربة الماء سيُزج في تناحر بغيض يتناطح فيه الأقوياء على قبحهم ولعبهم السياسية ويذهب ضحيتها هؤلاء الغلابى والذين هم وحدهم الذين ضاعوا وسُحقت أمانيهم في العيش بأمان على تربة بلدهم وتَشَجّع المجرمون عليهم وعلى المزيد من الفوضى والهمجية الذين لا يقيمون أي وزن سوى للانتهازية ويغلفونها بأقنعة عديدة كالشهامة والوطنية ويحسبون أنهم قديسون حد النخاع..
أجارنا الله منهم وأمّن بلدنا وشعبنا من ويلات الموت وجنّبه المزيد من سفك دماء الأبرياء الضعفاء.
سمية الفقيه
اليمن يتنازعه المرتزقة والنخاسون.. 1462