منذ البداية؛ مرحلة البناء "اذا افترضنا جدلاً انه يخطط للأشياء منذ بدايتها في اليمن " لم يبنى المؤتمر الشعبي العام بناء مؤسساتياً كاملاً ، بل كان هناك هامش لأساس بناء أو نواه أولى للبناء متمثلة في اللجنة الدائمة للمؤتمر.
كان من المفترض أن يقوم صالح إبان ترأسه للحزب العريق" المؤتمر" أن يكمل هذا البناء العريق وينميه، غير انه قام بعكس ذلك تماماً فقد اجهز على ما كان بعض العقلاء في المؤتمر قد شرعوا بتجهيزه ، حتى صادر كيان الحزب وقواعده واختزلها بشخصه وانهى جبرياً دور أي حكيم أو عاقل أو صاحب رأي وحنكة داخل المؤتمر الشعبي العام, حتى أن احد المثقفين المحسوبين على المؤتمر قال ذات يوم "مسحنا خريطة المؤتمر ".
كانت تلك هي المرحلة الثانية من لعبة التجيير للحزب وقواعده ، إذ قام صالح بلعبة ما يسمى "تشبيب القيادة " هذه اللعبة التي قضى فيها على من تبقى من قيادات المؤتمر وأبعدهم عن الأضواء وأزاحهم عن مفاصل اتخاذ القرار ، لذلك نرى انه في هذه المرحلة برزت شخصيات غاية في السوء و الدناءة وخسة الطباع تلك النوعيات التي كان يفضلها صالح إذ يسهل عليه التحكم فيها والدعس على رقابها واكل الثوم وغير الثوم بأفواهها ، وهي راضية كل الرضى أمثال البركاني والراعي.. إلخ .
في الناحية الأخرى نجد أن صالح قد همش الكثير من الهامات الوطنية في المؤتمر والتي كانت تشكل خطورة على مشروعه الشخصي باختطاف الحزب أمثال د. العنسي وآخرين .
جاءت المرحلة الثالثة من لعبة السيطرة والقضاء على المساحة الوطنية في المؤتمر الشعبي العام حين حوله صالح وبكل إسفاف إلى أداة للترويج لشخصه فقط مجردً الحزب من برامجه الانتخابية ورؤاه السياسية ، فقد عرَّى صالح حزب المؤتمر من ملامح العمل السياسي والحزبي ، إذ أن المفترض بحزب سياسي أن يروج لبرامج ورؤى تكون هي خطة عمله واليه تواصله ، بيد أن صالح اصبح هو الكل في الكل داخل المؤتمر وهذه كانت الضربة القاصمة والقاضية حين حول الحزب السياسي إلى ماكينة إعلان وترويج لشخص واحد ما يعده البعض منتهى القبح السياسي .
أتت بعد ذلك مرحلة اكتساح المؤتمر.. فبُعَيد اختطافه من أيدي الوطنيين ، وتجريده من عباءته السياسية .. حوله إلى وسيلة لتدريب أطفاله وأفراد أسرته وزبانيته الذين يدينون بالولاء الكامل له حوله إلى وسيلة للتدريب على ممارسة السياسة والعمل الدبلوماسي ، فنلاحظ في تلك الفترة ظهور العديد من الأصهار والأنساب والأقارب في مناصب سياسية وحزبية وقيادية وعسكرية وحتى نيابية ، فأصبح الحزب يسوق هؤلاء الثلة الشاذة على انهم الوطن وان الوطن يدور في أفلاكهم وشخوصهم .
انتقل صالح بعد ذلك إلى تصفية القواعد.. فقد قضى على طموحات وآمال الكثير من قواعد المؤتمر الشعبي ألعام إذ فوجئوا بأوجه تتحدث باسمهم "اسم المؤتمر " لا يقبلونها ولا يرضون عنها لفسادها ودناءة أخلاقها التي يعرفها الجميع ، فقد صادر حق المئات من قواعد المؤتمر في اختيار نهج نضيف للعمل السياسي الوطني ، فيصدم الكثير منهم وهم يرون حزبهم يتحول بمساره من حزب ولاءه للوطن إلى ولاءً لفرد نتيجة استخدام صالح لمقدرات الدولة من المال العام والوظيفة العامة كأداة للإذلال وكسب التأييد حتى قال احد قيادات المؤتمر حينها "المؤتمر ليس الحزب الحاكم وإنما حزب الحاكم " .
استمر صالح في سياسة تصفية صفوف المؤتمر وصنع الكثير من المطبلين لشخصه داخل المؤتمر بالأساليب السابقة الذكر وعبر مباركته للفساد و الفيد من أموال الدولة والهبر للمال العام وإطلاق عنان الكسب الحزبي لذوي الذمم الكبيرة وفي هذه اللحظات .. كان يقضي على أخر رمق للوطنية داخل المؤتمر الشعبي العام .
لم يتوقف صالح بعد كل ذلك أبداً ، بل بعد ثورة 11 فبراير حاول صالح أن يحول مسار الثورة من ثورة على الفساد والاستئثار بالثروة والسلطة إلى حرب سياسية بين الشعب والمؤتمر الأمر الذي استغربه الكثير من المراقبين والسياسيين ، ورفضته الكثير من قواعد المؤتمر التي انضمت حينها للثورة ، ولم يعي صالح الدرس .. وحتى اليوم يستخدم صالح ما تبقى من فتات المؤتمر كلافته يقود تحتها حربه الضروس لتأزيم الوضع وإذكاء نار الصراع وإنتاج الأزمات وهذا الأمر من الخطورة بمكان فصالح الآن يحول المؤتمر إلى عدو للشعب .. وان لم يكن هنالك رد قوي ممن تبقى من أصحاب المشروع الوطني داخل المؤتمر فهي ستكون القاضية تماما و أنا على ثقة ولديّ أمل كبير بمن بقي في المؤتمر هؤلاء الذين باتوا يعدون على الأصابع هم من سيوقفون صالح عند حده ، وسيستردون حزبهم المصادر وسيعودون إلى الحياة السياسية كحزب عريق اسمه المؤتمر الشعبي العام ، لا مؤتمر صالح العام .
هشام عباس
المؤتمر ضحية صالح 1172