إن الكثير من الشركات والمؤسسات التي تفضل التعامل بالتمويل الإسلامي, شهدت هذه تطوراً يمكن أن نصفه بغير المتوقع وخلال فترة قصيرة ، ومع تسارع عجلة الاقتصاد والحركة التجارية العالمية ، أصبح الاهتمام بهذه الصناعة أمراً ملحاً إذ أن أصول المصارف ماليو يعتبر رقماً ضخما عطفا على عمر هذه الصناعة ، وهي مرشحة إلى الزيادة ، خصوصا وأننا نشهد قفزات كبيرة في أسعار البترول ، وأن الدول الإسلامية وخصوصا في منطقة الخليج والتي تمتلك حصة كبيرة عالميا من إنتاج النفط على مستوى العالم ، وبالتالي سوف نجد إن هذه الأموال أو الجزء الأكبر منها سيصب في مصارف هذه الدول وبالتالي سيكون للمصرفية الإسلامية نصيب كبير من هذه الأموال. مع ما نشهده من هذه الكم الضخم من الأصول وما قد نشهده في المستقبل القريب والمتوسط ، إلا أنه وبلا شك لا بد إن يكون هناك تناسب بين هذا الحجم من الصناعة ، وبين عملية الدراسات والتطوير الذي ينبغي إن تتم لخدمة هذه الصناعة ، إذ إن عدم التناسب سيؤدي بالتالي إلى ركود طبيعي ، في ظل تسارع حركة الاقتصاد الذي يشهده العالم اليوم ، وهذا يتطلب البحث ودراسة حقيقية لما يمكن إن يقدمه الفقه الإسلامي من أدوات التمويل وتطوير النماذج الموجودة ومحاولة الاستفادة من جميع ما يمكن أن يحقق نمو في صناعة المصرفية الإسلامية ، ومحاولة الاستفادة من جميع ما يمكن الاستفادة منه فيما يتعلق بصناعة التمويل الإسلامي سيؤدي بالتالي إلى استقطاب رؤوس أموال اكبر ، وشريحة اكبر من المستفيدين ، وبالتالي ثقة المهتمين بالتمويل الإسلامي بإمكانية منافسة هذه الصناعة ، لأدوات التمويل التقليدية. مثل عدم وجود تشريعات تتناسب مع طبيعة هذه الصناعة والتي بدأت تونس في سبق مصر في هذه الناحية عن طريق إصدارها 5 قوانين خلال الفترة الحالية تتعلق بالاقتصاد الإسلامي. ولفت إلى أن التحدي الثاني يتمثل في عدم وجود منتجات تمويل إسلامية جديدة ومتنوعة، كما تشمل التحديات ضعف الموارد البشرية التي تعمل في المجال، وندرة الكفاءات العاملة في البنوك الإسلامية التي تستطيع إدراك الفارق بين المنتجات ومعناها والفرق بينها وبين المنتجات المصرفية التقليدية.
للان السعودية دربت حوالي 20 ألف موظف بالبنوك الإسلامية لكي تستطيع الصيرفة الإسلامية أن ترفع حصتها في السوق المصرفية من 20% إلى 80%، مشيراً إلى أن هناك مشكلة تتمثل في جهل العملاء بطرق التمويل في البنوك الإسلامية التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية. وأن بعض البنوك والفروع الإسلامية في مصر في تطبيقها العملي لا تلتزم بالشريعة الإسلامية ولكن ذلك يحدث من باب قصر المعرفة وليس عن عمد، كما أن مصر تعاني من عدم وجود أنظمة مالية محاسبية تستطيع معالجة المسائل المحاسبية وأساليب توزيعات الأرباح داخل البنوك الإسلامية. هناك عدة ملاحظات جوهرية للصيرفة الإسلامية عموماً تتمثل أبرزها في أن توظيف أو استثمار الموارد المالية تم في معظمه من خلال عقود المرابحة أو الإجارة أو الاستصناع وهو الشيء الذي أعطى صورة تشابهها مع المصرفية التقليدية. و بالرغم من خلو المداينات الناشئة عن المرابحة والإجارة والاستصناع وغيرها من الفوائد المصرفية التي تحرمها الشريعة إلا أنها ارتبطت بنظام الفائدة بسبب الاسترشاد بسعر الفائدة في تحديد ربحية الاستثمارات التي تقوم بها البنوك الإسلامية، مشدداً على أنها مسألة خطيرة أغفلت عنها أو أهملتها هيئات الرقابة الشرعية بالبنوك الإسلامية. أن الخلفية الأساسية لنمو البنوك الإسلامية في الفترة القادمة يجب أن تعتمد على دخولها في مجال الاستثمار، موضحاً أن هناك عوامل داخلية وخارجية للبنوك محددة لنمو النشاط، وأن البنوك الإسلامية من الممكن أن تستفيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في جميع القطاعات الإنتاجية من خلال تمويل احتياجاتها من الأدوات والمعدات والمواد الخام بطريق المرابحة وعقود الإجارة والاستصناع. لان هناك فرصة هائلة لهذه البنوك للمساعدة في عمليات استصلاح الأراضي الصحراوية في مصر عن الاستثمار المباشر وغير المباشر من خلال حفر الآبار وغيرها من الأنشطة، مشدداً على ضرورة تطوير نظام التمويل المسمى بالمشاركة المتناقصة بما يجعل البنوك الإسلامية تتشارك فعلياً مع العملاء بمقاسمتهم الأرباح أو الخسائر الفعلية. ويجب تطوير المضاربة وتحويلها من غير المقيدة إلى المقيدة بما يتفق مع المذاهب الأربعة من خلال تقديم طالب التمويل لدراسات جدوى دقيقة للمشروع الذي سيقوم به واقتناع البنك بها، كما يمكن أن يقوم البنك بعمل دراسات جدوى بنفسه للمشروع، ومراقبة المضارب عن بعد، وتقديم التمويل على دفعات حتى يتوقف البنك عن التمويل إذا أحس بوجود تلاعب من جانب العميل، كما يمكن أن يطالب البنك العميل بتقديم تقارير كل مدة زمنية ومراجعتها مع دراسة جدوى المشروع. وأوضح أن هناك طرق جديدة تحقق نمو التمويل المصرفي الإسلامي للنشاط الاستثماري في قطاع الإنتاج في إطار "اللوائح الوضعية" للبنك المركزي من خلال عمل شركات مستقلة متخصصة تتولى البنوك إنشاءها لنشاط الإجارة أو السلم أو الاستصناع أو المزارعة أو غيرها. لاشك أن التمويل الإسلامي عندما وجد وأسس كان له أهداف سامية ، حيث أنه كما هو معلوم أن الأمة الإسلامية وخلال عدة عقود أو يمكن أن نقول قرون ، وبعد حالة الضعف التي كانت تعيشها المجتمعات الإسلامية ، خصوصا في فترة الاستعمار ، أصبحت تعيش على ما يقدم لها من خلال ثقافات أخرى لا تراعي المبادئ والأسس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية ، وهذا بلا شك نتج عنه أحد خيارين ، إما مواكبة الاتجاهات الاقتصادية للعالم المتقدم حتى وإن كانت لا تتوافق مع شرع الله ، أو العيش في عزلة تزيد من حالة المعاناة والفقر التي يعيشها العالم الإسلامي تلك الفترة. وبالتالي كان لزاما على المختصين ، والباحثين في علوم الشريعة والاقتصاد محاولة إيجاد بدائل ، تتميز بأنها لا تتعارض مع الأصول والأسس التي قررتها الشريعة الإسلامية ، وفي نفس الوقت تتناسب مع التقدم الذي يشهده العالم اليوم في الاقتصاد والتنمية ، ولذلك نجد أنه كان لا بد من وجود مشاركة بين الباحثين في علوم الشريعة وخصوصا في علوم المعاملات المالية ، والمختصين في الاقتصاد والعلوم المالية ، لمحاولة الاقتباس من العقود التي تمت دراستها في كتب الفقه من قبل ، ومحاولة تطبيق قواعدها على صيغ متقاربة معها في الأصول ، وإن كانت قد تختلف عنها نوعا ما في التطبيق ، بغرض تطوير تلك الصيغ لإيجاد صيغ جديدة ، يمكن إن تكون بديلا للصيغ المنشرة في المؤسسات المالية في العالم والتي تعتبر غير متوافقة مع الشريعة ، وفي نفس الوقت تكون مثل هذه الصيغ تساهم في الحركة التنموية للمجتمعات الإسلامية ، وتحقق رغباتهم وحاجاتهم سواء كانت الرغبات والحاجات على مستوى الأفراد أو المؤسسات. انه يتعين على الحكومة وضع قواعد لإصدار الصكوك وإزالة العوائق الضريبيَّة التي تجعل المعاملات الإسلاميَّة تفتقر إلى أي قيمة تجارية بهدف اجتذاب استثمارات أجنبيَّة من دول الخليج النفطيَّة. وقد تثير التغيرات التي حدثت رغبة المصريين في الإقبال على بدائل خاصة إذا ما أمكنهم الاستفادة منها في معالجة بعض العلل الاجتماعيَّة التي فجَّرت الاحتجاجات. ولفت منتقدون إلى أنه في عهد مبارك استفاد الأثرياء من الإقراض وغيره من الفرص التجارية فيما اكتوى الفقراء بالبطالة والرواتب المنخفضة، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والأخصائي في التمويل الإسلامي غزالي عبد المالك: إن التمويل الإسلامي بتركيزه على التمويل بدون فوائد والاستثمارات الأخلاقيَّة سيلقى قبولا لدى المواطن العادي.
*دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
صناعة التمويل الإسلامي في مصر 1815