هل التاريخ يعيد نفسه في حملة التشهير والإساءة للوزير المحترم محمد المخلافي؟!.
تذكرني حادثة الاغتصاب المفبركة لحراسة الوزير بما سبق فبركته من أخبار وقعت قبيل حرب 94م وتحديداً إبان الأزمة السياسية. وقتها لم تجد القوى المشيخية القبلية والمذهبية سوى توجيه سهامها للطالبة فالنتينا عبد الكريم وزميلاتها في سكن جامعة صنعاء.
كانت الأزمة السياسية في أشدها بين الاشتراكي وشركائه من القوى المحسوبة مجازاً على اليسار وبين المؤتمر وحلفائه التقليديين من قوى الوسط واليمين. صحيفة " صدى الشعب " المناقحة عن الفضيلة المنتهكة في السكن الجامعي كان مصيرها الإغلاق بعيد أن صارت قضية فالنتينا قضية رأي عام وبعيد عجز الصحيفة عن تبرير افتراءاتها القذعة الطاعنة بأخلاق آدمية سوية كل ذنبها إنها لم تكن في معسكر طالما سوق ذاته على انه حامي العقيدة والأخلاق الفاضلة.
نعم ما أشبه حملة الأمس بحملة اليوم، وما اسهل أن يطعن المرء بأخلاق خصمه السياسي، اغتيال الرئيس إبراهيم محمد الحمدي وشقيقه عبد الله كان اغتيالاً سياسياً ليس للشقيقين وإنما طال – أيضاً – حلم اليمنيين بالتغيير والتوحد والنظام.
كان يكفيهما طلقتا رصاص في رأسيهما ؛ لكن قتلهما بهذه الطريقة الغادرة والحقيرة ليس كافيا ليرضي قتلتهما وخصومهما، فلكي تكتمل فصول الجريمة البشعة تم استجلاب الفتاتين الفرنسيتين " فيرونيك تروي وفرانسوا زسكريفانو " اللتين عثرا على جثتيهما بجوار الرئيس وشقيقه.
إذاعة لندن سألت الرئيس السابق صالح عقب تبوئه منصب الرئاسة فكانت إجابته مقتضبه ومضلله وخبيثة أيضاً: لا إجابة لدي نحو جريمة تمس شرف وأخلاق اليمنيين " في هذه الحالة ليس للمستمع من خيار سوى القول : يا لعفة وكياسة الرئيس المتحدث ويا لدناءة الرئيس المغدور به ظلما وبهتانا أو العكس بحيث يُذم ويُلعن صالح ويُجل ويُترحم على الحمدي !.
قبل عقدين من الزمن كانت المعركة محتدمة حول قانون التعليم الموحد وقانون تنظيم حيازة السلاح والانتخابات النيابية وحتى الحوار الوطني ووثيقته التاريخية الموقع عليها من كافة القوى السياسية في عمَّان يوم 20فبراير 94م وفي ليلة رمضانية تماثل مساءات رمضان صنعاء. وقتها عدت فدرلة البلاد محوراً أساسياً لإنقاذ البلاد من أتون تجزئة سياسية وجغرافية باتت ماثلة في واقع مجتمعي ممزق نسيجه.
اليوم هنالك جملة من الاستحقاقات الوطنية التي تم الانقلاب عليها ومن خلال حرب كارثية مازالت ماثلة بتبعاتها وأضرارها المكلفة، ومع اعتبارها استحقاقات رجعية ماضوية يراد الآن الالتفاف عليها ومن ذات القوى القديمة الجديدة الممانعة اليوم لمخرجات الحوار الوطني التي يتوجب إجهاضها مثلما سبق وتم إجهاض التوحد السياسي وما ترتب عنه من اتفاقيات وميثاق وتشريعات مدنية حديثة مؤصلة لعهد جديد من الديمقراطية والتعددية والحريات والحقوق والعدالة والتنمية وسواها من قيم الدولة المدنية.
نعم فمثلما وقفت القوى التقليدية وبشراسة إزاء استحقاقات الدولة المتوحدة حينها ستحول في الوقت الحاضر وباستماته دون إنجاز العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ودونما استعادة الأموال المنهوبة ودون إقامة الدولة الاتحادية ودون هيكلة الجيش والأمن ودون ممارسة الرئاسة والحكومة لكامل لسلطاتهما وصلاحياتهما.
لست هنا بمقام من يبرأ أو يدين أحدا بجريرة أو ذنب فمثل هكذا براءة أو محاكمة هي من اختصاص سلطة العدالة ؛ لكنني مع ذلك ارفض الحملة الشرسة والممنهجة التي تطال وزير اعده احرص الجميع على تجسيد النظام والقانون. ففي النهاية الوزير دكتوراه في القانون ومن أبجديات مهنته ووظيفته تمثُل مبادئ العدالة والاشتغال على ممارستها والانحياز لها وفي مختلف الأحوال.
إما المسألة الأخرى التي تجعلني اقف مع الوزير فمرجعها رفضي التام لتقسيم المجتمع وعلى هذه الشاكلة الفوضوية غير اللائقة بنا كشعب وكدولة ونظام وعدالة يفترض بانتمائها للألفية الثالثة لا إلى قرون العبودية والاسترقاق ومحاكم التفتيش.
في العصور الغابرة كان المجتمع منقسماً إلى فئتين؛ فئة باغية مارقة جاحدة كافرة وفئة صالحة مؤمنة طائعة ربانية، فئة قليلة معنية بإحلال الفضيلة والإيمان والحق والشرف وعدالة السماء مقابل فئة كبيرة جاهلة ضالة باطلة عاصية، جماعة – دونما سواها – مكلفة بحفظ الأخلاق وزجر الرذيلة يقابلها جماعات خارجة عن الأخلاق مارقة عن الدين والأعراف.
في هكذا ثنائية مغيبة لمبادئ العدالة المجسدة لحقيقة المساواة بين بني البشر يصير التمايز سمة ربانية خالصة بفئة من الخلق ودون سواهم من خلق الله الذين مهما بلغ علمهم ومعرفتهم وإيمانهم ومكانتهم يبقون في نظر أسياد وإقطاع ولصوص وقتلة وكهنة السماء مجرد رعاع وأقنان وجهله وبغاة مارقين ناقصين.
الفارق بين البارحة والليلة هو أن المعركة لم تعد بمصلحة القوى المنهكة للبلد، فبعيد عقود من الاستئثار بمقدرات الدولة وقوتها وإمكانياتها ها هي دائرة المعركة تضيق وتنكمش في مساحة ضيقة لا تتعدى العاصمة صنعاء وجوارها واحيانا إلى مناطق بعيدة.
صحيح بتملك هذه القوى المال والترسانة وكذا القدرة على الحشد والمبادرة في الضرب ومتى شاءت وأرادت، لكنها مع ذلك فقدت وخسرت الكثير من مقوماتها وقوتها الماضوية وما تقوم به في الحاضر ربما أخر وأعاق واربك المرحلة الانتقالية لبعض الوقت لكنه أبداً لن يفلح بوقف الدولة الاتحادية طال الزمن أو قصر.
ففي المحصلة الغلبة هنا للدولة والنظام والعدالة والفدرلة بكونها مفردات نابعة من قيم العصر والتطور المجتمعي والتاريخي والعكس – أيضاً – حين يراد مواجهة الحاضر والمستقبل وبأدوات وأفكار تنتمي لحقب القرون الغابرة.
محمد علي محسن
حماة الفضيلة والأخلاق!! 1642