بداية شهر أبريل 2013م اتفق قادة الدول الخمس الرائدة على الصعيد الاقتصادي في العالم وهي "البرازيل, روسيا, الهند, الصين, جنوب أفريقيا" ضمن تجمعهم المعروف باسم "بريكس" على إنشاء بنك للتنمية يتولى تمويل احتياجات البنية التحتية التي تقدر قيمتها بحوالي "4.5" تريليون دولار ومعالجة دولار ومعالجة التحديات الإنمائية لدى الدول الفقيرة التي تقدر قيمة الاقتصادات الناشئة.
إنشاء مثل هذا البنك سيمثل تحدياً كبيراً لمؤسسات مالية أخرى مثل البنك وصندوق النقد الدوليين التي ينظر إليها باعتبارها أكثر انحيازاً للقوى الغربية, لا سيما وأن مجموعة "بريكس" طالما عبرت عن انشغالها من الوتيرة البطيئة للإصلاحات والتمثيل داخل صندوق النقد الدولي الأمر الذي يحرم البلدان النامية من الاضطلاع بدور أكبر في تحديد الأجندة المالية على الساحة الدولية.
وفي تشكيلة المجتمع المجموعة- التي تضم نصف سكان العالم- تبرز القوى الاقتصادية الناشئة التي حققت على مدى العقدين الأخيرين تقدماً ملموساً في مجال النمو الاقتصادي ومؤشرات التنمية بحيث تحيل كلمة "بريكس" في نسختها الأولى التي كانت تسمى بريك إلى الحروف الأولى باللغة الإنجليزية للبرازيل, روسيا, الصين, الهند, ولم تنطلق المجموعة فعلياً إلا في عام 2009 لتنضم إليهم لاحقاً جنوب أفريقيا في عام 2010 وسيكون بنك التنمية أول مؤسسة تنشئها المجموعة التي حاولت على مدى السنوات الماضية دفع نفسها إلى صدارة الأجندة الدولية والاضطلاع بدور أكبر في الشأنين المالي والسياسي العالميين البنك الجديد حظي باستقبال جيد في الأوساط الدولية لا سيما الدولة النامية لأنه بمثابة رد فعل طبيعي على اقتصاد تطغى على مؤسساته المالية البلدان الغربية والرغبة في تصويب هذا الخلل, ومع أن فكر إنشاء البنك كانت مطروحة منذ فترة إلا أنها لم تر النور إلا في اتفاق بداية شهر أبريل بين قادة دول "بريكس" الذين التئمو في "دوربان" بجنوب أفريقيا, لكن الموضوع مازال يحتاج لتحديد التفاصيل في ظل الخطوط العريضة التي تكشفت خلال القمة ومن بينها تخصيص مبلغ "50" مليار دولار كرأس مال أولي للبنك اقتسامها بالتساوي بين الدول الخمس.
ومازال يتعين على وزراء مالية الدول الاتفاق على تفاصيل أخرى مثل رأس مالك البنك ومقره وهيكلته, واتفق القادة على إنشاء احتياطي استعجال تقدر قيمتها بحوالي "100" مليار دولار يوجه لمساعدة الدول الأعضاء على مواجهات الأزمات الطارئة في حال حدوثها بحيث تعمدت الصين بتخصيص "4" مليار دولار لهذا الصندوق الاستعجالي فيما ستخصص كل من الهند والبرازيل وروسيا مبلغ "18" مليار دولار لكل منها.. وتدفع جنوب أفريقيا "5" مليارات دولار.
وبهذه الطريقة تكون الدول الخمس قد ترجمت الفكرة التي نوقشت في نيودلهي بشأن استحداث آلية لتدوير الفوائض المالية للدول واستثمارها في مشاريه البنية التحتية بالبلدان النامية, البيان المشترك الصادر عن القمة أكد على ضرورة أن يكون تمويل بنك التنمية الجديد مهماً حتى يتسنى له القيام بمهامه والمساهمة الفاعلة في إنجاز مشاريع البنية التحتية لكن استحداث بنك دولي جديد من قبل دول "بريكس" والانعتاق من هيمنة القوى الغربية على المؤسسات المالية يصطدم العديد في التحديات ودونه جملة من العراقيل والصعوبات فرغم إرادة التعاون القوية بين دول "بريكس" فإنها فشلت سابقاً في التوافق على مرشح مشترك لرئاسة مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين هذا بالإضافة إلى الاختلافات بين دول "بريكس" وغياب الانسجام والتناسق في بعض مواقفها إذ تبحث كل دولة على حدة لنفسها عن مكانة متميزة في النظام العالمي بمعزل عن الأخرى وتسعى إلى تعزيز دورها الاقتصادي.
بالإضافة إلى هذه التناقضات هناك البعد الجغرافي وغياب التماسك بين البلدان المشكلة لمجموعة "بريكس" حيث تقع كل دولة في قارة مختلفة ناهيك عن تباين النظم السياسية للبلدان واختلال الكبير كل هذه العوامل تصعب من عملية الاندماج بين دول "بريكس" حتى في ظل صعودها اللافت على الساحة الدولية وتعاظم نفوذها الاقتصادي والسياسي.
دولة مجموعة البريكس لم تقف إلى جانب الهند العضو بالمجموعة بعد ما دعت نيودلهي قبل فترة إلى تدخل مشترك لدعم العملات, وبعض البنوك المركزية في بعض هذه البلدان في الوقت الراهن بعمليات كثيفة للعملة المحلية مستفيدة من احتياطاتها من العملات الصعبة "الدولار واليورو" للدفاع عن قيمتها, وتدرس البنوك المركزية في دول البريكس حالياً مسألة زيادة أرصدة صندوق النقد الاحتياطي وتنسيق عمله مع سياسة صندوق النقد الدولي, وكانت بلدان المجموعة اتفقت في شهر مارس 2013 في مدينة دوربان بجنوب أفريقيا على مبدأ إنشاء بنك للتنمية المشتركة من أجل تمويل الاستثمارات والاستغناء عن البنك الدولي لكن لم تتوصل حينها إلى الاتفاق على القيمة التي يتعين على كل بلد تقديمها لتكوين رأس المال وعلى توزيع الأصوات.
في قمة مجموعة العشرين اتفقت دول البريكس على أن يكون حجم رأسمال صندوق الاحتياطي "100" مليار دولار اتخذت روسيا قراراً بالمساهمة, لكنه لم يحدد حجم مساهمة موسكو وستدفع الصين "41" مليار دولار بينما تدفع كل من البرازيل والهند وروسيا "18" مليار دولار وتقدم جنوب أفريقيا "5" مليارات.
ودعت مجموعة بريكس الاقتصادات الناشئة مجموعة العشرين إلى تعزيز الطلب العالمي وضمان توجيه أي تغييرات في السياسة النقدية للحد من أي تداعيات سلبية على الدول الأخرى حيث يحتاج تطبيع السياسات النقدية في نهاية المطاف إلى ضبطه بعناية والإعلان عنه بوضوح ويبرز البيان حجم المخاوف بين الدول النامية من احتمال أن ينهي مجلس الاحتياطي الاتحاد الأمريكي سياساته النقدية الميسرة ومن أن أوروبا لا تفعل ما يكفي لتشجيع انتعاش يقوده الطلب.. وفي السياق ذاته تتوقع روسيا مخاطر كبيرة من الخطوة المتوقعة للمركزي الأميركي بسحب برنامج التحفيز حيث يتوقع مخاطر كبيرة إذا بدأ تقليص التحفيز النقدي, ومن المتوقع أن يبدأ مجلس الاحتياطي تقليص برنامج لشراء السندات وسحب التحفيز النقدي الأميركي سيكون له تأثير عالمي كبير لتضع بذلك تقليص التيسير الكمي الذي يقوم به مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي.. تقليص برنامج شراء السندات الأميركي يؤدي إلى نزوح رؤوس الأموال وتراجع العملات في الأسواق الناشئة.
هامش:
1. الاتحاد العدد "13789" 6/4/2013
2. الاتحاد العدد "1365 22/11/2012
3. الحياة العدد "18118" 11/11/2012
4. الاتحاد الاقتصادي 6/11/2012
5. الاتحاد الاقتصادي 3/9/2013
6. الاتحاد الاقتصادي 6/9/2013
د.علي الفقيه
تجمع دول بريكس الحد من هيمنة المؤسسات المالية الغربية 1437